د. عيسى محمد العميري
شئنا أم أبينا أصبح الذكاء الاصطناعي اليوم هو السمة الغالبة في أي توجه أو رؤية لدى الحكومات والدول في العالم. وذلك نظراً لمميزاته وفوائده للمجتمع البشري، وبأنه الثورة التكنولوجية القادمة التي ستنقل العالم من شرقه إلى غربه إلى مواقع جديدة. ولكن وفي خضم ذلك التسارع والتنافس العالمي في هذا الموضوع. نجد بالمقابل أن لكل أمر إيجابي سلبيات فلا شيء كاملاً في هذه الدنيا.
وعلى أية حال فالجانب الإيجابي يكاد يكون معلوماً تقريباً ولكن السلبي هو موضوع مقالنا لهذا اليوم. وما أعتقده هنا أن مسائل التطور التكنولوجي الحديث يجب ألا تُؤخذ بأنها بتأثير واحد، أو أن يتم النظر إليها بأساليب عاطفية محضة، فهي تحتاج إلى نظرة موضوعية بفعالية، لأنها متعددة الجوانب، وجوانبها تحمل في طياتها تفاصيل، والجانب السلبي هنا يكمن في التفاصيل. الدول الصناعية المتقدمة، والدول ذات الكثافات السكانية القليلة التي تحتاج إلى العمالة الماهرة النادرة يعتبر الذكاء الاصطناعي بالنسبة لها نعمة وحلاً عملياً لتلبية احتياجاتها من العمالة النادرة قليلة الأجور، لكن ماذا عن دول العالم النامي التي تعتبر العمالة الرخيصة أحد مصادر دخلها الوطني، وأحد مرتكزات طموحاتها المستقبلية في التنمية الاقتصادية والصناعية؟!
ووفقاً لهذا التساؤل يعد العالم اليوم أمام معضلة، ويتوجب توضيح أين تكمن مشكلة الذكاء الاصطناعي لدى الدول. وكيف يمكن للعالم أجمع أن يستفيد منه، فالنظام الدولي الجديد القائم على عمالقة التكنولوجيا الحديثة المتقدمة والذكاء الاصطناعي سيجمع بين رابحين يحصلون على كل شيء، مع تركيز غير مسبوق للثروة في أياد قلة من الشركات في الصين والولايات المتحدة الأميركية واليابان، وعدد من دول جنوب شرق آسيا التي تشكل الدول الصناعية الجديدة، وعدد محدود من دول الاتحاد الأوروبي. وهو بتقديرنا ما يشكّل خطراً مستقبلياً للذكاء الاصطناعي على الدول التي لا تمتلكه، والتي ستصبح أكثر فقراً وستدخل في فوضى اجتماعية عارمة وانهيار سياسي واقتصادي يتولّد وينبعث من بطالة عمالة تنتشر بشكل واسع، وهوة من عدم المساواة بين الدول فيما لو انتشر الذكاء الاصطناعي سريعاً وبالتالي فإن المكانة العملاقة التي تستخدم في تحريك الصناعة ستقلّل من قيمة الميزة الاقتصادية الوحيدة التي في يد دول العالم النامي تاريخياً، وهي العمالة منخفضة الأجور.
ومن المرجح للمصانع التي تشغلها عناصر الذكاء الاصطناعي أن تغادر أماكن تركزها إلى مواقع قريبة من أسواق الاستهلاك الضخمة، وبذلك، فإن الهوة بين الذين يملكون على المستوى العالمي، والذين لا يملكون ستتسع كثيراً مع عدم وجود مؤشرات ووسائل واضحة أو معروفة تجاه تضييقها أو ردمها.
** **
- كاتب كويتي