د. غالب محمد طه
في مقالنا السابق بعنوان «الرياض عاصمة للأمن السيبراني العربي»، استعرضنا الدور البارز للرياض كمركز إقليمي في مجال الأمن السيبراني، وأكدنا على أهمية هذا المجال في عصر التحول الرقمي. واليوم، نستكمل ما بدأناه في هذا الموضوع المهم، حيث نغوص أعمق في تفاصيل الإستراتيجية العربية للأمن السيبراني التي أطلقتها المنظمة العربية لتكنولوجيات الاتصال والمعلومات في يونيو الماضي، والتي تُعدّ بمثابة خارطة طريق للدول العربية في تعزيز أمان الفضاء الرقمي.
ففي خطوة إستراتيجية بارزة، أطلقت المنظمة العربية لتكنولوجيات الاتصال والمعلومات الإستراتيجية العربية للأمن السيبراني، التي تُعدّ خريطة طريق شاملة للدول العربية لتطوير أطرها الوطنية في هذا المجال الحيوي. تُركز هذه الإستراتيجية على أربعة محاور رئيسية، تشكل الأسس المتينة التي يقوم عليها تعزيز الأمان الرقمي في العالم العربي.
أحد المحاور الأساسية للإستراتيجية هو التحول الرقمي، الذي يهدف إلى تحسين الأداء الحكومي والخدمات العامة من خلال دمج التكنولوجيا في مختلف القطاعات.
في الوقت ذاته، يشجع الابتكار الرقمي على البحث والتطوير في مجال الأمن السيبراني، ويدعم تطوير حلول جديدة للتحديات الرقمية المتزايدة. يهدف هذا المحور إلى تعزيز قدرات الدول على مواجهة التهديدات السيبرانية بطرق مبتكرة من خلال دعم الابتكارات في التكنولوجيا وتطبيقاتها.
أما الشمول الرقمي وهو المحور الثالث في الإستراتيجية، فهو يعنى بضمان وصول جميع المواطنين إلى التكنولوجيا والخدمات الرقمية، بما في ذلك المجتمعات الأقل حظاً. يسعى هذا المحور إلى تعزيز الفرص الرقمية من خلال تحسين الوصول إلى الخدمات الرقمية وتوفير التدريب والموارد اللازمة للمجتمعات المختلفة.
لتأتي الثقة الرقمية كمحور أخير من محاور الإستراتيجية، فتهدف إلى بناء بيئة رقمية موثوقة وآمنة للتعاملات الرقمية، من خلال حماية البيانات الشخصية والمعلومات الحساسة وبناء ثقة بين المستخدمين والخدمات الرقمية المتاحة.
تتضمن الإستراتيجية أيضًا مجموعة من البرامج العملية التي تسعى إلى تنظيم قطاع الأمن السيبراني في العالم العربي وتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء. تبدأ هذه البرامج بتطوير سياسات وإجراءات حكومية موحدة لضمان أمن الفضاء السيبراني، مع التركيز على التنسيق بين الدول الأعضاء لتحقيق استجابة فعَّالة للتحديات السيبرانية.
كما تركز الإستراتيجية على أمان تطوير البرمجيات والتطبيقات المستخدمة في القطاعين العام والخاص، من خلال توفير إطار عمل آمن لتطوير هذه البرمجيات والتطبيقات. وهناك أيضًا اهتمام خاص بـ حماية الشبكات والأنظمة الأساسية التي تدعم الاتصالات والخدمات الرقمية لضمان استمرارية الخدمة وأمان البيانات.
وتشمل الإستراتيجية أيضًا إستراتيجيات لحماية البيانات الشخصية والمعلومات الحساسة من التهديدات السيبرانية، مع التركيز على ضمان إدارتها بشكل فعّال. كما تهدف إلى مراقبة الفضاء السيبراني لضمان التزام الدول بالمعايير والضوابط الدولية، وتطوير آليات لمتابعة وتقييم الأداء في هذا المجال.
في ظل التصاعد المستمر للتهديدات السيبرانية على الصعيدين الإقليمي والدولي، تأتي الإستراتيجية العربية للأمن السيبراني كخطوة إستراتيجية لمواجهة هذه التهديدات بشكل شامل. في هذا السياق، يلعب مجلس وزراء الأمن السيبراني العرب دوراً محورياً في تعزيز التعاون الإقليمي وتطوير إستراتيجيات مشتركة لمواجهة التحديات السيبرانية. يهدف المجلس إلى تنسيق السياسات والإستراتيجيات بين الدول الأعضاء لمواجهة التهديدات السيبرانية بشكل مشترك وتحقيق استجابة فعّالة للتحديات الرقمية.
كما يركز المجلس على تعزيز التعاون بين الدول العربية من خلال تبادل أفضل الممارسات والخبرات في مجال الأمن السيبراني، وبناء شبكة من الخبراء والمختصين في هذا المجال. ويسعى المجلس إلى تأمين فضاء سيبراني عربي آمن ومستدام وحماية مصالح الدول في المحافل الدولية، ودعم الموقف العربي المشترك في مواجهة القضايا السيبرانية على الساحة الدولية.
تُبرز الرياض كمركز إقليمي للأمن السيبراني بفضل هذه الإستراتيجية الطموحة، مما يعزز مكانتها كعاصمة للأمن السيبراني العربي. إن الاستثمار في البنية التحتية السيبرانية والتكنولوجيا الحديثة يُعدّ خطوة ضرورية لضمان مستقبل رقمي آمن ومستدام، تواصل الرياض قيادة الجهود الإقليمية لتعزيز القدرات السيبرانية، مما يعكس التزامها بتحقيق رؤية 2030 التي تهدف إلى تحويل المملكة إلى مركز رقمي عالمي.
ومع إطلاق الإستراتيجية العربية للأمن السيبراني، تتطلع الدول العربية إلى تحقيق نمو وتطور مستدامين في هذا المجال. تهدف الإستراتيجية إلى تعزيز القدرات السيبرانية للدول العربية، وتحقيق نضج أمني يعزز استقرار الفضاء السيبراني على المدى الطويل. كما تمثل الإستراتيجية فرصة لتكريس التعاون الإقليمي كعامل أساسي في مواجهة التحديات الحديثة، وتجسيد الدور القيادي للمملكة العربية السعودية في هذا المجال الحيوي.