د. محمد بن أحمد غروي
أعلنت تايلاند مؤخراً عن عزمها الانضمام إلى تكتل بريكس الاقتصادي، لتصبح أول دولة في جنوب شرق آسيا تسعى لمقعد في التكتل العالمي. ولم تمض أسابيع حتى لحقت ماليزيا بها، حيث أعلن رئيس وزرائها أنور إبراهيم، عن اعتزام بلاده التقدم بطلب لعضوية المنظمة.
واكتسبت بريكس أهمية على الساحة العالمية منذ الحرب الروسية الأوكرانية، وتقدم المنظمة نفسها باعتبارها صوتًا للجنوب العالمي في وجه الهيمنة الغربية على الساحة الاقتصادية. ومع توسع التكتل العام الماضي أصبحت المجموعة تمثِّل 29 % من الناتج الإجمالي المحلي العالمي، و46 % من إجمالي عدد السكان عالميًا و43 % من إنتاج النفط عالميًا و25 % من الصادرات العالمية.
لعل هدف تايلاند من وراء هذه الخطوة يكمن في تعزيز مشاركتها في السياسة الاقتصادية الدولية وخلق نظام عالمي جديد، وبهذا الطلب تسعى لتصبح أول دولة في جنوب شرق آسيا تنضم إلى التكتل الاقتصادي، ويوضح الطلب الرسمي التزام بانكوك بمبادئ مجموعة البريكس، مثل: إعطاء أهمية للتعددية وزيادة تمثيل البلدان النامية في النظام الدولي.
وأعتقد أن قبول العضوية التايلاندية من شأنه أن يفيد بانكوك في نواح جمة، كتحريك دورها على الساحة الدولية، وتعزيز آفاقها كواحدة من صنَّاع السياسات الاقتصادية الدولية، كما ستوفر لها هذه الخطوة فرصًا جديدة في الاستثمار والصادرات والتعاون التكنولوجي الجديد. كما أن الانضمام إلى البريكس من شأنه أن يوسع الأسواق وربما يساعد في الحد من الاعتماد المفرط على الدولار الأميركي في تسويات التجارة مع استخدام العملات المحلية بدلاً من الترتيبات.
ماليزيا الجارة بدورها تتطلع لأن تلحق بتايلاند وتحظى بمقعد في المنظمة العالمية، مع إعلان رئيس الوزراء الماليزي، أنور إبراهيم، عن البدء بالإجراءات الرسمية للانضمام إلى بريكس، وذلك قبيل زيارة رئيس الوزراء الصيني للبلاد، لتواكب التصريحات الحكومية عن الفوائد الاقتصادية للبلاد، وتعزيز نفوذ كوالالمبور وضمان التعبير عن نواياها في مختلف القضايا لجعل صوتها مسموعًا على الساحة العالمية، كما سيسهم في نمو الاقتصاد وتجنب تقلبات العملة، فضلاً عن انعزال البلاد والمنطقة بشكل فعَّال عن التغيّرات في السياسة النقدية الأميركية وتقلبات العملة، مما يحسّن القدرة على التنبؤ في سوق العملات ويخفض تكلفة المعاملات للمصدرين والمستوردين.
من غير المعروف على وجه اليقين نيّة بقية دول آسيان في الانضمام إلى بريكس، لكن يبدو أن معظم الدول ستحذو حذو تايلاند وماليزيا، فإندونيسيا قد بدأت فعلاً دراسة الفوائد التي يمكن الحصول عليها من الانضمام للمجموعة العالمة.
المراقب للشأن التايلاندي والماليزي يرى أن الدولتين بالفعل عضوان في منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (APEC)، والإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ (IPEF)، والشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP)، وهو ما يدلّل على سعيهما الحثيث نحو تنويع شراكتهما الاقتصادية مع مختلف دول العالم، وضمان الوصول إلى مختلف الأسواق العالمية إلى جانب الرغبة في اجتناب الاعتماد الكلي على أحد المنظمات والمبادرات دون غيرها.
كما يشير عمل بانكوك وبوتراجايا على أن تحظيا بمقعد في التكتل الاقتصادي إلى رغبتهما في دعم رؤية المنظمة باعتبارها منصة مهمة للتعاون بين الأسواق الناشئة والدول النامية وتلتزم بدعم التعددية، وإصلاح نظام الحوكمة العالمي، وزيادة تمثيل وصوت الأسواق الناشئة والدول النامية.
ومع هذا التفاؤل المفرط من لدن البعض أن انضمام دول من آسيان إلى تكتل بريكس إلا أنه ومن المتوقع عدم حدوث تغير جذري في الأوضاع الحالية اقتصاديًا أو سياسيًا، إذ إن المنظمة في داخلها تعاني من تعارض المصالح داخليًا بما يقوِّض إمكانية إقدامها على تغييرات كبرى على الساحة العالمية، كما أن التوترات الجيوسياسية والاختلافات بين الدول الأعضاء تختبر فعالية الكتلة الاقتصادية، لأن التنوع بين أعضاء مجموعة البريكس يمثِّل تحديات في مواءمة المصالح وتحقيق الإجماع، كما أن غياب اتفاقيات التجارة والاستثمار الرسمية يزيد من تعقيد فعالية الكتلة.
قد لا تنصب أي نتائج اقتصادية ملموسة لنفسها أو لرابطة دول جنوب شرق آسيا بحسب أصوات وتحليلات محلية، باستثناء الرمزية السياسية، من قبل تايلاند لإظهار انفتاحها على جميع البلدان أو المجموعات الكبرى في السياق الجيوسياسي دون أن تكون خاضعة لأي طرف - وهو موقف يتماشى مع النهج الشامل لرابطة دول جنوب شرق آسيا.
فيما يتخوف البعض من أن تسبب هذه الخطوة من قبل تايلاند ومن ورائها ماليزيا إلى الإفراط في الاعتماد على الصين بطرق مختلفة، وخاصة من منظور اقتصادي، مما يجعل الأمر محفوفًا بالمخاطر، في وقت تعاني فيه بكين من تباطؤ الطلب المحلي لمدة لا تقل عن العامين أو الثلاثة الأعوام المقبلة وما زالت تكافح أزمة العقارات.