رمضان جريدي العنزي
في الماضي كان الخبل لا يعرفه غير أهله، ولا أحد سواهم، يردعونه ويراعونه ويحفظونه في البيت، يعتذرون عن هفواته، ويسترون نزواته، الآن انتشر الخبال وكثر الخبول، وطفوا على السطح، توالدوا ونموا وكثروا، في مواقع التواصل، في الاستراحات، في المجالس، يتحدثون وينظّرون كأنهم فلاسفة وعباقرة وأصحاب رأي، يقولون الشيء ونقيضه، بعيداً عن العقل والموازين والقيم، لا يحكمهم العقل بقدر ما تحكمهم السفاهة والطفاقة والعبث والسخافة والتهريج، محتواهم واهن وضعيف وفيه ركاكة شديدة، منطقهم سقيم، وفكرهم بليد، لقد اختار هؤلاء لأنفسهم أن يكونوا (خبول) بمحض إرادتهم، استخفافاً واستعراضاً وتلفظاً وحركات منافية للقيم والعادات والمروءات والشيم، من أجل كسب إعجاب الناس، وزيادة المتابعين، والحصول على المال.
لقد انتشرت ظاهرة الخبال والخبول بشكل بائن ولافت، لقد اقتحموا الإعلام، وصارت لهم مواقع ومحطات ومنابر، ورزقٌ لم يكونوا يحلمون به مثل (الهوايش بجحورها)، وأخذت المحطات والفضائيات الإعلامية تتسابق في استضافتهم، وتبرزهم بشكل فائق ومغاير، وهم الذين (يقطون خيط وخيط)، و(هروجهم ناقصة)، ويهرفون بما لا يعرفون، إنّ قضية هؤلاء الخبول قضية مجتمعية معاصرة اتخذت من أدوات التواصل الاجتماعي ومن بعض الاستراحات والمجالس وسيلة لها في تهديد النسيج الثقافي والفكري لأفراد المجتمع على اختلاف شرائحه وطبقاته، ولاسيما فئة الشباب من الجنسين، إنهم يملكون خللاً سلوكياً في سماتهم الشخصية، يكمن في حب الشهرة ولفت الأنظار، متخذين من قاعدة (الغاية تبرر الوسيلة) شعاراً لهم في بث خبالهم وحماقاتهم وتهريجهم المغلفة بغلاف المرح والفكاهة، إنهم في الحقيقة والواقع خفافيش ظلام لا يحملون أي معنى لقيم أو آداب أو مثل، همهم الأكبر أن يتداول الناس مقاطعهم على أي شكل، وبأي طريقة، وأن يشتهروا وتتضخم أرقام حساباتهم من جيوب المتابعين السذج.
إن ثقافة القص واللزق وتدوير المقاطع وإعادة نشرها التي ينتهجها البعض دون إدراك لتبعاتها عززت من مكانة هؤلاء الخبول ورفعت أسماءهم، لقد انتهكوا المعايير الاجتماعية، وأصبحوا يشكلون خطراً ثقافياً وفكرياً، إن العوامل المشتركة بين الخبول على مختلف شرائحهم وفئاتهم وأعمارهم تكمن في اشتراكهم في الكوميديا السوداء والتناقض والتسفيه واللاوعي واللا إدراك واللامسؤولية والطيش والحمق، إن الواقع المر الذي نعيشه مع هؤلاء الخبول بأنهم بكل أسف يربحون دائماً ويستفيدون، والمتلقون يخسرون بسبب هبلهم وبلاهتهم ومتابعتهم لهؤلاء الجهلة الحمقى.