سعد بن عبدالقادر القويعي
أكادُ لا أصدق رحيلك حين انضممت إلى ركب الراحلين عن دُنيانا؛ لكنها سنة الخالق في خلقه؛ فسارت بك الحياة منذ أن تشكّل وعيك الأول، واشتد عودك إلى أن أثقلك المرض، واشتد عليك البلاء، وزاد من ألمنا أن قدّر الله رحيلك خارج الوطن؛ فأجد البكاء في صمت على من أحببت؛ لانحسار مدد الرفقة، وانطفاء ومضة نبل إنساني؛ عله أن يكون صبري، وعزائي.
رحلتَ في عمر الزهور؛ لأفقد أعز الأصدقاء حين أفُل نجمك، وغابَ شمسك؛ فأذقتنا لوعة الغياب ممن نحب، ومن يعزُّ علينا، وتركت لنا الأثر الطيب الذي يعكسُ مكانتك، ولا يبقى لنا سوى تذكر السنوات -القريبة والبعيدة-، إذ كنت بعض سلوتي، وجزءاً من حياتي، وبقيةً من رفاقي، فالمشاعر الصادقة لا تموت بمرور الزمن؛ لأنها نوعٌ من السلوى المنجبر للخواطر.
لا أجدُ في خصالك الإنسانية الحميدة، وقامتك الممشوقة، وابتسامتك المشرقة الجذابة سوى ترجمةً لمعدنك الأصيل، وروحك المرحة التي كانت ترفرف كحمامة سلام؛ فأسرتنا ببساطتها، وتلقائيتها بحسن عشرتك، وطيب معشرك، وبشاشة وجهك، وحسن حديثك، وكرمك بمشاعرك، ونقاء سريرتك.
فهدنا الراحل.. كنت توأم الروح، وصدى النفس، ورحلة عمر على مدى ثلاثٍ وثلاثين سنة، واليوم أعجزُ عن رسم الكلمات، وصدق الرثاء؛ لأفتش بين صفحات الذكريات عن نبرة صوتك الدافئ، وعن ألم الغياب المتسلل في أعماق نفسي، فلا أجدُ إلا الوفاء لذكراك الذي ملأ قلبي، وحرّك مشاعري.
رحلت بهدوء قرير العين، طيب الروح، فلا الدمع يكفكفُ آلام الرحيل، ولا الوجعُ يخففُ لوعة الفقد. فرحيلك غصة في حلقي؛ لكنّ الرثاء كل الرثاء، أن زرعت في كل مكان محبينَ كُثراً، سيتولون مهمة وداعك، ودعائك بما يليق بقامتك الأنيقة.
وداعاً أبا عبدالله في قلوبنا، وفي ذاكرتنا، وستبقى رسائلك طاقة نور في حياتي، فالقدر نفذ، والموت فرق، فكانت تلك اللحظات نفثات مألوم، وخلجات مكلوم، وأنا أقف على حافة قبرك مودعاً؛ فأتذكر ألم الفراق، وانكسارات النفس، وجرح لحظات الوداع، فلطالما رسمناك على مرايا ذاكرتنا؛ لتنعكس على محيانا ابتسامتك، وظلالك القمري. وستبقى هدية العمر تزداد قيمتها بمضي الزمن، وأغلى الأصدقاء بصدق المواقف، والعلامة الفارقة في حضورك، وغيابك.
أيها الصديق النبيل.. دعواتي لك في كل الأحوال ملاذٌ من حالة الحزن، والأسى بكل هذه المشاعر الفياضة التي تختلج صدري، وبكل كلمات الرثاء التي لن تمحو ألم الفراق، فالعينُ تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا. فاللهم إني لا أزكيه عليك، ولكني أحسب أنه آمن، وعمل صالحاً، فاجعل له جزاء الضعف بما عمل، واجعله في الغرفات من الآمنين، وتقبل منه صبره على البلاء، وامنحه درجة الصابرين، واجعله في بطن الأرض مطمئناً، وعند قيام الأشهاد آمناً، وبجود رضوانك واثقاً، وإلى أعلى علو درجاتك سابقاً.
** **
- أستاذ السياسة الشرعية في كلية نايف للأمن الوطني سابقاً