م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1- يرى كثيرون أن كاتب الرواية كاذب كبير.. فهو في بحثه عن الحقيقة يروي الأكاذيب ويختلق القصص.. ويغرق في الخيال ويثير الأسئلة ذات العلاقة بكل شيء حول الحقيقة التي يبحث عنها.. ويترك ما يريبه إلى ما لا يريبه فيمعن في تفحصه والتشكيك في نواياه.. ويقرأ ما بين السطور أكثر من السطور ذاتها.. فيُؤوَّل الواضح بغير معناه ويُحرِّف المعنى إلى غير مقصده.. كل ذلك في سبيل الحقيقة التي يبحث عنها.
2- كاتب الرواية لا يكتب ما يراه لكنه يكتب ما يتخيله.. فالصورة تبدو أمامه أوسع من الواقع المرئي.. ويرى أن الحياة المعاشة مجرد رمزية لشيء أشمل لا يراها إلا كل عقل متسائل باحث عن الحقيقة.. فليس كل الناس قادرين على البحث عن الحقيقة.. ليس لأنهم لا يرغبون بل لأنهم غير قادرين.. فالحقيقة يستحيل القبض عليها.. كما هو ثابت ومجرب.
3- كتابة الرواية واحدة من أوضح أشكال الكذب في البحث عن الحقيقة.. فتصوير كاتب الرواية للأحداث وسرده للأكاذيب ما هي إلا وسيلة لتوجيه الأفكار والمشاعر تجاه الحقيقة التي يبحث عنها.. فهو يرى أن تلك الحقيقة نقطة ضوء بعيدة يريد الوصول إليها بكل الوسائل.. وما كلماته سوى خطوات في اتجاه ذلك الضوء الذي يراه في آخر النفق يسير إليه كلمة كلمة.
4- كاتب الرواية لا يبحث عن الحقائق العلمية.. فما يبحث عنه هو الحقيقة التي لا يمكن إثباتها في المعامل والمختبرات.. وهو في كتابته إنما يتصور ويفترض ويتخيل ثم يصيغها بشكل يسمح للقارئ أن يكتشف ويوجه نظره إلى الأمور من زاوية مختلفة.. ووفق إطار آخر لم يخطر ببال أحد سوى الكاتب.. وهذا ما يجعل علاقة القارئ بالكاتب علاقة الدليل أو المرشد في المتاهة.. فهو لا يطالبه بالإثبات لما يقول بل يطالبه بأن يزيده من الخيالات المحكمة السبك القابلة للتصديق!
5- يقول (ستيفن كنج): إن الرواية الجيدة هي الحقيقة داخل الكذبة.. وكأنه يريد أن يقول إن الرواية حكاية مختلفة فيها توجيه وتشويش وخبث وتلاعب بالأعصاب وتشتيت للأفكار وهز للثوابت.. واستدراج للقارئ أن يرى ما يراه الكاتب ليكون من أتباعه.. كل ذلك من خلال كذبة جيدة الصياغة!
6- كاتب الرواية يحاول أن يوثِّق أحداثاً لم تحدث قط إلا في مخيلته.. وأن يشهد على أمور لم تحصل قط إلا في هواجسه وتصوراته.. وأن يكذب بكل صدق.. وأن يؤمن بعمق أن الحبر أقسى من الحجر في ذاكرة التاريخ.
7- تقول الروائية (إيزابيل الليندي) إنهم كانوا يدعونها «بالكاذبة» حينما كانت صغيرة.. وأصبحوا يدعونها «بالكاتبة» عندما كبرت.