أسامة الفريح التميمي
لقد حفظ الشارع الحكيم حقوق الطفولة، وخاصة منها حق الحياة والعيش الكريم، وعملت جميع القوانين والعهود الدولية على حفظ حقوق الطفل، وصون حياته من القتل والانتهاك أثناء الحروب، وتنادت الدول للإعلان عن اليوم العالمي لحقوق الطفل، وتخصيص أيام عالمية للطفولة. ويحيي العالم اليوم العالمي للطفل هذا العام تحت شعار «لكل طفل، كل الحقوق»، إيماناً بأهمية تمتع أطفال العالم أجمع بكافة حقوقهم، وكانت الأمم المتحدة، قد اعتمدت عام 1954 العشرين من تشرين الثاني نوفمبر من كل عام، يوماً عالمياً للطفل، باعتبارها مناسبة عالمية «يُحتفل بها من كل عام لتعزيز الترابط الدولي وإذكاء الوعي بين أطفال العالم وتحسين رفاههم». فبينما احتفل العالم باليوم العالمي للطفل، يوم الاثنين 20 تشرين الثاني/نوفمبر، كان الاحتلال الصهيوني يقتل أطفال غزة بالآلاف، ويترك الآلاف الآخرين، الذين بقوا على قيد الحياة منهم، في خوف وذعر وتشرد، تحت القصف الإسرائيلي، أو في العراء مشردين مع عائلاتهم، محرومين من الغذاء والتعليم والماء والدواء.
إن اليوم العالمي للطفل يحل هذا العام بينما تُرتكب واحدة من أبشع الجرائم وهي «الإبادة الجماعية» بحق الأطفال الفلسطينيين في غزة. فالأطفال يشكلون ما لا يقل عن 40% من نسبة ضحايا هذه الإبادة، سواء أولئك الذين سقطوا شهداء جراء القصف الجوي والبري والبحري، أو من تعرضوا لانتهاكات جسيمة نتيجة الحصار المطبق، والنزوح القسري، وانقطاع التيار الكهربائي، وانعدام المياه الصالحة للشرب. وتقول الأمم المتحدة إن قوات الاحتلال الإسرائيلية، قتلت خلال الأسابيع الأولى من حربها على قطاع غزة من الأطفال، ما يفوق عدد الأطفال الذين قتلوا في 22 صراعاً مسلحاً حول العالم، خلال أربع سنوات.
وكذلك تم تخصيص الخامس من نيسان كيوم عالمي للتضامن مع أطفال فلسطين. وقد حل الخامس من نيسان لهذا العام 2024 وأطفال فلسطين يعيشون عدواناً غير مسبوق من القتل والتجويع والتشريد، راح ضحية هذا العدوان أكثر من (16000) طفل قتيل، وحوالي (80000) طفل مصاب، ولا يقل عن (10000) طفل من المفقودين تحت الأنقاض أو في الطرقات. لقد أتى هذا اليوم الخامس من نيسان للتضامن مع الطفل الفلسطيني، وهذا العدو الصهيوني الغاشم يزداد في إجرامه بحق الطفل الفلسطيني، وينتهك حقوق الطفل في فلسطين من خلال أعمال القتل، والتجويع، والتشريد. فأين المناداة بحقوق الطفل، وأين هذه الصوت الإنساني للضمير العالمي إزاء القتل الممنهج، والتجويع والتشريد لأطفال فلسطين؟.
إن من يتابع القنوات التلفزيونية المحايدة منها خصوصاً، أو المتصفح لمواقع الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، يرى صوراً ومقاطع فيديو يشيب لها الولدان تجسد حجم الموت والرعب المرسوم على ملامح أطفال غزة الذين يقف بعضهم وسط الركام وهم يبحثون عن بقايا أسرهم التي قضت في قصف إسرائيلي، أو يشاهدون بقايا الأشلاء نتيجة القصف الهمجي للمدنيين. لقد فضحت هذه الصور والمقاطع التي تناقلتها وسائل الإعلام الدولية والمتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي مدى الفظائع والشراسة التي يتعرض لها أطفال غزة الذين لم يسلم منهم حتى الرضع والخدج، من الاستهداف المباشر من قبل قوات الاحتلال الصهيوني.
كما إن عدوان الاحتلال الإسرائيلي المستمر على أطفال فلسطين وأطفال غزة غير المسبوق، قد طال كامل منظومة حقوق الطفل، وخاصة منها الحقوق الأساسية للطفل، كالحق في الحياة والبقاء والنمو، فقتل أكثر من 16000 طفل في قطاع غزة منذ السابع من تشرين أول/ أكتوبر الماضي 2023، كما حرم بقية أطفال قطاع غزة من الحق في الطعام والصحة والماء والدواء والبيئة النظيفة، وبهذه المناسبة حذر الأمين العام للأمم المتحدة (أنطونيو غوتيريش)، في تصريح سابق له، أن قطاع غزة الذي يتعرّض للقصف يتحوّل إلى «مقبرة للأطفال».
ووفقاً لوزارة التربية والتعليم الفلسطينية أيضاً، فإن قتل الأطفال الفلسطينيين ومأساتهم، لا تقتصر على قطاع غزة فقط، وتضيف أنه وفي الضفة الغربية، التي لا تشهد حرباً مثل غزة، قتلت إسرائيل 52 طفلاً، خلال شهر واحد بعد اندلاع الحرب. كذلك حرم الاحتلال الأطفال في قطاع غزة من حقهم في الحفاظ على أسرهم والبقاء معها، فتشير تقديرات «اليونيسيف» إلى وجود حوالي 17.000 طفل غير مصحوبين أو منفصلين عن ذويهم في قطاع غزة، يجسد كل منهم قصة مؤثرة عن الخسارة والحزن والفقد والضياع، والعالم ينظر ويتفرج، وربما يتأسى وينتحب ولكن أين هي الأفعال؟. فالعالم الغربي يشاهد مأساة أطفال فلسطين، ولا يحرك ساكناً، اللهم إلا الخطابات والاستنكارات القولية التي لا تغني ولا تسمن من جوع، إن العالم الغربي يدرك ما يعانيه أطفال فلسطين، ويرى ويشاهد ويسمع، ومع ذلك لا يرمش له جفن، بل يتشدقون بحقوق الإنسان وهم أبعد ما يكون عن الرحمة والإنسانية.
أما نحن فنؤمن ولا شك بوعد الله للشهداء بأنهم أحياء يرزقون، وبذلك نوقن بأن أطفال فلسطين الذين رحلوا عن عالمنا باتوا أكثر أماناً، فهم أحياء عند ربهم يرزقون، هم آمنون الآن في قبورهم - إن وجدت- لهم قبور، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وخير ما نقول: حسبنا الله ونعم الوكيل.
وإزاء هذا التغول الصهيوني في القتل والاعتداء المستمر على أطفال فلسطين، هل يلقي العالم بالاً لأطفال فلسطين وغزة في مناسبة اليوم العالمي للطفل؟. فالواقع يقول إنه لا يلقي لهم أحد بالاً، والحقيقة أننا نرى تناقضاً صارخاً بين ما يبديه زعماء العالم الغربي من تأثر تجاه مقتل أطفال غزة وإصرارهم بنفس الوقت على استمرار الحرب في نفس الوقت، ودعم الكيان الصهيوني بالأسلحة والمال والعتاد.
وأمام هذه الحقيقة المرة، والتعامي الغربي الواضح عن حياة أطفال فلسطين وحقوقهم فإننا نناشد حكومتنا الغراء بقيادة خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين، التحرك بكل ما تملك من قوة وثقل وحضور محلي وعالمي لإنهاء هذا العدوان، وحماية النفس التي حرم الله قتلها، وحماية أطفال فلسطين من هذا القتل الهمجي البربري اللامسبوق.
ونذكر بهذا المقام موقف حكومة بلادنا - حفظها الله- الثابت والمبدئي من قضية فلسطين باعتبارها قضية الأمة الإسلامية والعربية، وكذلك مواقفها الواضحة من هذا العدوان الغاشم منذ بداية النكبة عام 1948 وحتى اليوم، فحكومات المملكة العربية السعودية المتعاقبة، وحكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكيّ الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز - يحفظهما الله -؛ سعت بكل ما تملك من قدرات وإمكانيات، وتأثير دولي وحضور في مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة لوقف العدوان الإسرائيلي، وفضح جرائمه، وانتقاد المواقف المؤدية له، ومحاولة العمل على انتزاع حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه وحياته، وآخر هذه المحاولات المكللة بالنجاح كان سعي المملكة العربية السعودية ودورها الفاعل في الاعتراف بالدولة الفلسطينية. فالأمل بالله ثم بجهود أولياء أمرنا الكرام - حفظهم الله- للمبادرة وقيادة الضمير الإنساني نحو إرادة قوية وعزيمة فاعلة لوقف العدوان الإسرائيلي على أهلنا في فلسطين، والحد من قتل وتجويع وتشريد الأطفال. فيا حكومتنا الغالية، إنا نشد أزرنا بكم، ونعتمد بعد الله على جهودكم في هذا المجال، وأنتم خير من يحرص على هؤلاء الأطفال، وخير من يحرص على حفظ النفس البريئة، فالبدار البدار، فإنها والله وقفة عزة وكرامة لله ثم للتاريخ، والإنسانية.