إن كل اختراع ما هو إلا توليفة من الأفكار القديمة، وكل رواية جديدة ما هي إلا نفس المشاكل القديمة معروضة بشكل آخر، وكل نظرية جديدة ما هي إلا النظريات القديمة من وجهة أخرى، فلا جديد تحت الشمس إلا مجرد اختلاف في الأساليب والحيل والتبريرات، ولكن المشكلة هي لا جديد فيها منذ أن بزغت الشمس.
هناك قانون في علم الطبيعة يقول إن المادة تخضع في سلوكها لنفس النظام، فهي لا تفني ولا تستحدث، حيث تبقى مادته على الدوام حافظة لوزنها، لا تزيد فيها ولا تنقص، لا تفني ولا تستحدث، والاستحداث هو مجرد استحداث في الأشكال والعلاقات.
وهناك قانون في علم النفس يقول أن النفس البشرية تخضع لنفس القاعدة، فالنفس لا تفقد شيئا من مضمونها، ولا يوجد شيء اسمه نسيان، فكل إحساس، وكل تجربة وكل خبرة وكل عاطفة مهما بلغت من الهوان والتفاهة لا تفنى ولا تستحدث.
يعتقد المفكر برجسون أن الحياة تقاوم النوم وتصارعه، وأن الأحلام هي الماضي الذي يقاوم النوم، أو يمتطى في الخيال بين ليلة وأخرى، وهو يقول إننا في الحقيقة لا ننام، وأن حواسنا في الحقيقة لا تنام، وإنما هي تنعس فقط وتسترخى بمعنى أننا نظل نحس، ونظل نرى، ونظل نسمع في أثناء النوم.
وليست الأحلام سوى التهافت الذي يحدث حول كل إحساس من هذه الأحاسيس، ومعنى هذا أن برجس يريد أن يقول إن للأحلام باعثا، وأن هذه الأحلام لا جديد فيها، وأنها انعكاس للحياة الفسيولوجية التي يعيشها الجسم في اليقظة، وأن الجسم بطبيعته لا ينام، وإنما هو يكسل فقط وتكسل حواسه لكنها تظل تتوارد على الذهن، تتوارد الأصوات على الأذن، والمشاعر تتوارد على الجلد، والآلام تتوارد على الأحشاء. وهكذا تتوارد الأشياء بالأشياء، ولا جديد تحت الشمس..