د.محمد بن عبدالرحمن البشر
تحكم العلاقات الدولية القوانين والمصالح، وفي الغالب فإن القوانين الدولية تشرع بما يحقق العدالة وحفظ الحقوق، وهذا منبعه الدين، والأخلاق، لكن إذا لم تطبق القوانين الدولية حتى بالقدر الأدنى، وإذا لم يكن هناك رادعٌ دينيٌّ أو أخلاقيٌّ، فلن تكون النتيجة حميدة للعالم كله على الإطلاق، وقد تؤول الأمور إلى فناء الجزء الأكبر من البشر، في ظل توفر أنواع فتاكة من السلاح الذي يهلك الأرض والحرث والنسل، وما لا يحتاج إلى برهان أن معيار العدالة ليس قائماً اليوم، كما أن تطبيق القانون الدولي أبعد من الثريا، والأدهى من ذلك أن تلك التجاوزات لم تعد ترتبط بمصالح دول فحسب، بل تتعداها إلى مصالح أفراد وجماعات ضاغطة، وأصحاب أيديولوجيات، أتيح لهم التأثير بوصولهم إلى مراكز السلطة في السر أو العلن، من خلال تغذية المشاعر، واستخدام أدوات إعلام هائلة التنوع والتأثير والسهولة في الوصول إلى أدمغة البشر، وتسييرها في الطريق الذي يرونه يحقق لهم مصالحهم الآنية، ومصالح الجماعات أو الأفراد أشد وطأة من مصالح الدول، لأن الدولة تقيس بمقاييس أوسع وأبعد، مع الأخذ بعين الاعتبار البعدين العالمي والإنساني في بعض الأحيان، ولهذا فإننا نجد ازدواجية المعايير، والإسراف في قلب الحقائق، وصنع المبررات وتسويقها بما يتناسب مع مبتغى تلك الجماعات أو أولئك الأفراد.
التطور التقني العالمي هائل، وتسارعه لا يمكن إبطاؤه، وانتشاره يصعب تقييده، لهذا فإن ما لدى جماعات معينة من أدوات فتك بسيطة قبل سنوات أصبحت اليوم أكثر فاعلية، حتى وإن تقدمت الوسائل المستخدمة في الحد من تأثيرها، وهذا يعني أنه بعد عشرات السنين ستصبح بعض الجماعات قادرة على الوصول إلى ما تريده من معلومات لبناء أدوات التدمير التي قد تستخدمها ضد مخالفيها، ناهيك عن أن الصراع بين الدول الكبرى والفاعلة قد يدفع بإحداها أو جميعها إلى تيسير حصول دول أو جماعات على سلاح فتاك نكاية بغريماتها من الدول الأخرى، أو لغاية أيديولوجية، كما أنها قد تساعد تلك الدول أو الجماعات على تصنيع ما تحتاجه من سلاح فتاك، وهذا حدث في السابق وربما يحدث الآن ومن المرجح أنه سوف يحدث في المستقبل إذا لم يكن هناك ربطٌ بين التقدم العلمي والتطبيق الأخلاقي.
لتحقق توازناً بين التقدم التدميري والتقدم الأخلاقي، لابد من عمل شيء ما فيما يخص الأخلاق والتعامل البشري، والتخلي عن فكرة التفوق العرقي والزهو على الآخرين والتطور الأيديولوجي، ومن ثم إيجاد أدوات لتطبيق منهاج تربوي بدءاً من المنزل والمدرسة لصنع نوع من البشر يسمو بأخلاقه إلى درجات تدفعه لحب الخير وبناء عالم متكامل مترابط، تسوده المودة والتجانس وحب الخير، وهذا لا يتأتى بالكلمات والنصائح وحسب، بل بعمل كبير يقوم على صنعه فلاسفة، وعلماء نفس واجتماع، لنزع الأحقاد والضغائن، والشعور بالتميز العرقي، ورفع الإنسان إلى مرتبة أعلى من النبل.
إذا لم يكن كذلك، فإن العالم بلا شك سوف يدمر نفسه بالأدوات المادية التي ابتكرها ونجح في إعلاء كلمتها، ونسي العمل الموازي الأهم وهو الأخلاق التي تصنع بشرية جديدة، وتسن قانوناً دولياً وتحسن تطبيقه وممارسته بأداة الحب والخير.