راشد صالح الحمادي
لاشك في أن الشريعة الإسلامية سعت إلى ترسيخ قيم ومفاهيم أخلاقية وإنسانية سبقت بها الشرائع الإنسانية اللاحقة، وفي قوله صلى الله عليه وسلم (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) تأكيد على أن المبادئ الإنسانية والقيم النبيلة هي في وجدان العرب قبل الإسلام وبعده.
وقد خُلدت قصص وأشعار في هذا الجانب لا حصر لها، ومن ذلك قول البحتري في نبذ العنصرية والتفرق.
ولا تقل : أُمم شتى ولا فِرق
فالأرض من تُربة والناس من رَجلِ
وقد أبدع فيلسوف الشعراء المعري في دحر الأنانية والدعوة إلى إشاعة الخير حينما قال:
ولو أنّي حُبِيتُ الخُلْدَ فَرْداً
لمَا أحبَبْتُ بالخُلْدِ انفِرادا
فلا هَطَلَتْ عَلَيّ ولا بأرْضي
سَحائبُ ليسَ تنْتَظِمُ البِلادا
وفي تأكيد على الحكمة القائلة: (الشيء من معدنه لا يستغرب) فإنك تُعجب بإنسانية ملوكنا ومع ذلك فإنك لا تستغربها نظراً لأن هؤلاء الملوك ليسوا إلا امتداداً لأسرة تجري في عروقها دماء الأصالة العربية والنخوة الإسلامية وتضرب جذورها في أعماق الفروسية والنبل.
فقد رُوي عن الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - بأنه في ذات مرة قابل جمالاً وأعطاه صرة مالٍ وانصرف فذكّره السائق أن الصُرة فيها ذهب فأمره بالرجوع إلى الجمال، فاعتقد السائق أنه يريد استبدال الذهب بالفضة، ولكنه نبّه الجمال بأن الصرة بها ذهبٌ حتى لا يخدعه أحد لعدم معرفته بذلك وقال لسائقه: أعطاه الله وليس أنا.
وقد انتقلت هذه الصفات الإنسانية من الملك المؤسس إلى سلالته الكريمة وخلدتها قصص ومواقف لا حصر لها، فقد أرسل الملك سعود -رحمه الله- لمسؤولي المالية عام 1367هـ يوجههم إلى تفقد أحوال امرأة ضعيفة كاتباً لهم: (.. لا يلحقها عراء ولا جوع.. وعرفونا وحنا نعتقد إن شاء الله أنكم ما تغفلون عنها لأن مالها أحد.. ولا يصير عليها قاصر واحرصوا على ذلك غاية ما يصير).
أما عن الملك فيصل - رحمه الله- فقد ذكر المستشرق النمساوي المسلم ليوبو لدفيس موقفاً له مع الملك فيصل حينما كان في مكتبة المسجد الحرام بمكة، فدخل الملك فيصل المكتبة، فنهض ليحييه فصافحه الملك، وقال محمد أسد: «وعندما انحنيت له، رفع رأسي برفق بأصابعه، وابتسم قائلاً: «نحن معشر النجديين لا نؤمن بأن على الإنسان أن ينحني للإنسان، بل ينحني لله وحده في الصلاة».
وعن القصص والمواقف الإنسانية للملك خالد - رحمه الله - نقف أمام عبارة خالدة قالها تختصر جميع مواقفه النبيلة، وسمو نفسه، وذلك حينما قال: (اهتموا بالضعفاء، أما الأقوياء، فهم قادرون على الاهتمام بأنفسهم.
وتكفينا عن الملك فهد - رحمه الله - مقولته الخالدة بعد الغزو العراقي للكويت الشقيقة الحياة والموت واحد بيننا، بعد ما احتلت الكويت، وبعد ما شاهدت بعيني ماذا جرى للشعب الكويتي، مافي كويت وما في سعودية، فيه بلد واحد، يا نعيش سوا يا ننتهي سوا، وهذا القرار الذي اتخذته لا يوجد أي سعودي إلا واتفق معي على نفس القرار، يا تبدأ الكويت والسعودية يا تنتهي الكويت والسعودية».
وفي منتصف شهر رمضان المبارك لعام 1423هـ بث التلفزيون السعودي مشاهد من تفقد الأمير عبد الله آنذاك - رحمه الله - للفقراء أثناء زيارته للأحياء الفقيرة في العاصمة الرياض، وقد شاهد الجميع كيف تأثر وأعلن إطلاق إستراتيجية وطنية لمواجهة الفقر.
وللملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - من المواقف والقصص الإنسانية ما شهد به القريب والبعيد، وإذا كان مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية هو واقع نشهده اليوم، فإن مواقف الملك سلمان الإنسانية ما هي إلا امتداد لتاريخ من النبل والإحسان، فقد أعلن الملك سلمان عام 1385هـ ما نصه (يعلن أمير منطقة الرياض أن شكاوى المستأجرين قد كثرت بسبب لجوء بعض المؤجرين إلى قطع التيار الكهربائي أو الماء عن المستأجرين.. وبما أن لهذا التصرف خطورته.. وما للماء والكهرباء من أهمية في حياة الأفراد، والأسر اليومية، فإننا نُخطر كل مالك مؤجر بعدم الإقدام على مثل هذا التصرف بتاتاً..).
وختاماً دائماً ما تحضرني عندما أستذكر مناقب ملوكنا أبيات الإمام الشافعي - رحمه الله - حينما قال:
وأفضل الناس ما بين الورى رجل
تُقضي على يده للناس حاجاتُ
قد مات قوم وما ماتت مكارمهم
وعاش قوم وهم في الناس أمواتُ