د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
بفضل موقع السعودية الاستراتيجي، وبفضل رؤيتها، يمثل القطاع العقاري في السعودية نسيجا مقنعا للنمو والابتكار والاتجاهات المتطورة التي تعزز نمو الشركات الناشئة المبتكرة التي تعيد تشكيل مشهد الصناعة، حيث يتميز المشهد العقاري في السعودية بمزيج من المشاريع السكنية والسياحية والتجارية والصناعية، وهو سوق نابض بالحياة، جاذب للاستثمارات المحلية والعالمية، جعله يشهد تحولا كبيرا عبر مختلف القطاعات، خصوصا مع طموحات السعودية لتصبح مركزا لوجستيا إقليميا، فشهدت طفرة في مشاريع البنية التحتية الصناعية واللوجستية والسياحية، حيث يؤكد ذلك تطوير المدن الاقتصادية والمجمعات الصناعية والمدن الترفيهية والمناطق السياحية يتماشى مع التزام السعودية بتنويع اقتصادها وتعزيز قدرتها التنافسية على الساحة العالمية.
يأتي سوق العقار كونه محركا أساسيا ورئيسا في تحقيق التنمية، وجذب الاستثمارات، إضافة إلى دوره الفاعل في الناتج المحلي الإجمالي، فضلا عن قيامه بتوليد فرص وظيفية كبيرة، ويتوقع ان ينمو بمعدل نمو سنوي 7.8 في المائة خلال الفترة ما بين 2023 - 2028، وكان إجمالي السوق العقاري 74 مليار دولار مقارنة بقيمة السوق العقاري العالمي 1394 مليار دولار، ما يمثل 5 في المائة من قيمة السوق العقاري العالمي في 2023، تجري في قلب السعودية ثورة في قطاع العقارات، حيث تعيد الابتكارات في تكنولوجيا العقارات تشكيل السوق العقاري.
لا تعد التقنيات الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي كلمات مجردة، بل هي أدوات تعزز الكفاءة والشفافية وتحسن تجربة المستخدم في معاملات العقارات التي تساعد في تحقيق معاملات عقارية سلسة وآمنة، علاوة على الابتكارات المالية مثل قوانين الرهن العقاري وصناديق الاستثمار العقاري تكسر الحواجز، مما يجعل امتلاك العقارات متاحا لشريحة أوسع من السكان، مع التزام الدولة بالبناء الصديق للبيئة والمباني المتوافرة فيها الطاقة والمساحات الخضراء، تحول السعودية إلى مركز عالمي للعقارات، يجعل الاهتمام الدولي ليس مجرد إشادة بإمكانات السعودية، بل بوابة لسوق عقاري عالمي مترابط ومزدهر، مما يزيد من حيوية السوق العقاري المحلي، يجعله مصدرا للفرص والنمو والابتكار، ويجعله نظاما ديناميا يحقق أحلام الدولة والمجتمع، وتزدهر فيه الاستثمارات.
مشكلات سلاسل الإمداد ونقص المقاولين من بين تلك التحديات التي لابد من إقامة شراكات مع شراكات عالمية تمتلك القدرة في بناء تلك المجمعات، وفي نفس الوقت توطين صناعة مواد البناء، ما جعل الشركة الوطنية للإسكان توقع اتفاقية تعاون مع شركة الصين لهندسة الآلات سي إم إي سي لإنشاء 20 ألف وحدة سكنية في الضواحي والمجتمعات السكنية التي تطورها الشركة، خصوصا وأن برنامج الإسكان يهدف إلى رفع نسبة التملك السكني للأسر السعودية إلى 70 في المائة بحلول 2030، ووفق التقرير السنوي لعام 2023 بلغت نسبة التملك 63.74 في المائة متجاوزة مستهدف عام 2023 البالغ 63 في المائة، مرتفعة من 47 في المائة عام 2016 وقت صدور الرؤية، وتنوي الشركة ضخ 300 ألف وحدة سكنية بنهاية عام 2025.
تساهم الأنشطة العقارية في الناتج المحلي غير النفطي 12.2 في المائة، فيما بلغت مساهمة قطاع التشييد والبناء 11.3 في المائة حتى الربع الثالث من 2023، فيما كان يمثل 8.3 في المائة من إجمالي القطاع غير النفطي عام 2016 بقيمة 128 مليار ريال بينما يبلغ حاليا 281 مليار ريال، أي ارتفع الناتج بنسبة 2.81 في المائة، كما أن القطاع يرتبط بأكثر من 120 صناعة اقتصادية، وهو ما جعل السعودية بالتعاون مع الصين التوجه نحو إنشاء منطقة لوجستية متكاملة لإنتاج مواد البناء، وهو ما يؤكد أهميته وحيويته.
بالفعل شهد القطاع العقاري تحولات وتغيرات مدروسة وكبيرة خلال السنوات الماضية على جميع المستويات، سعيا لمواجهة تحديات القطاع من حيث التنظيمات والتشريعات العقارية، أسهمت بدورها في وضع الضوابط وحفظ الحقوق وتحفيز بيئة الاستثمار في القطاع، حيث صدر أكثر من 15 تشريعا عقاريا، وفي مجال التمويل والدعم السكني تجاوزت القروض العقارية 650 مليار ريال، في حين بلغ عدد القروض المدعومة من الدولة 750 ألف عقد بنهاية عام 2023، ومنذ إطلاق برنامج الإسكان عام 2018 وحتى نهاية 2023 تم تعزيز المعروض العقاري بأكثر من 450 ألف وحدة وأرض سكنية، وتسعى وزارة الإسكان لتعزيز هذا المعروض إلى أكثر من مليون وحدة سكنية حتى عام 2030 بالشراكة مع كبريات شركات التطوير العقاري من داخل السعودية وخارجها، مع تأهيل نحو ألفي مطور عقاري محلي.
من أجل تعزيز استدامة قطاع العقارات اتجهت الدولة نحو إقامة منتدى مستقبل العقار السعودي بمشاركة 300 متحدث من 85 في نسخته الثالثة خلال الفترة 22-24 يناير 2024 احتوى على مناقشات وحوارات وفق محاور استراتيجية عدة حول منظومة العقار على المستويين المحلي والعالمي، تتركز حول الابتكار في صناعة قطاع العقار، والتطور الذي شهده القطاع، وأبرز التحديات التي يواجهها القطاع، والفرص الجديدة في القطاع والاتجاهات الناشئة في العقار، وحلول التمويل المستدام، وتأثير التكنولوجيا على مستقبل العقار والتطورات التكنولوجية، وأثرها على الإبداع المعماري في المدن، ومستقبل العقارات التجارية، وكيفية التكيف والابتكار، ودوره في تسريع نمو قطاع العقار بصورة عامة، حيث تمثل النسخة الثالثة للمنتدى رحلة مستقبل قطاع العقار، التي ستشهد عقد تحالفات كثيرة، وفي نفس الوقت تمكين أعضاء المنتدى من اتخاذ قرارات مبنية على معلومات متكاملة، التي تعمل بدورها على تسهيل تحقيق الأهداف في مجالات العقار المختلفة.
** **
- أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية بجامعة أم القرى سابقا