سهوب بغدادي
إن مصطلح الأدب في حد ذاته متعارف عليه منذ نشأته، فيما يعتبر مصطلح الأدب الرقمي دخيلًا علينا، بعد الثورة الرقمية وبزوغ الإنترنت وتنوع وسائط التواصل وأطره وأساليبه، وأصبحت المحتويات في متناول الجميع، فلم تعد الكتابة والتأليف والنتاج الأدبي حصرًا على الأدباء والمؤلفين والكتاب، وكل شخص منا أصبح يمتلك المساحة الرقمية الخاصة به لعكس صدى أفكاره، حيث يعرف الأدب الرقمي «بالأعمال الأدبية التي تنشأ أو تنتج باستخدام التكنولوجيا الرقمية والوسائط الإلكترونية، وتوزيع الأعمال الأدبية، ويتميز هذا النوع من الأدب بالاعتماد على وسائط رقمية مثل الإنترنت، والوسائط المتعددة، والبرمجيات الخاصة بالنصوص الإلكترونية، وتتنوع أشكال الأدب الرقمي بين النصوص الإلكترونية التفاعلية، والقصص المتحركة، والشعر الرقمي ...إلخ» وفي خضم هذه الفورة قد يستاء بعض المبدعين المخضرمين؛ لما في الصيغة الرقمية من «طيش» وقلة نضج، ففي القدم كانت الأعمال الأدبية والإبداعية تأخذ عشرات الأيام والشهور بل السنين لترى النور، وتصل إلى المتلقي بالوجه المأمول، أما حاضرًا، فنشهد العبارات والآراء والمقالات والقصص والحكايا والروايات إلى آخر القائمة الممتدة دون حصر أو قيد، دون الحاجة إلى المرور برحلة الأدب القديم، إذ يستلزم الأدب التروي والتأني إلا أن ما يفرضه علينا الواقع الافتراضي أشد وطأة من المسلّمات، ولا يصح القول إن الشكل العصري للأدب ليس بجيد، إذ خلقت التقنية سماءات للمبدعين من خلال سهولة الوصول ويسر النشر، وتلقي التفاعل والتغذية الراجعة، كما يتمكن من المبدع من تعزيز نتاجه عبر أكثر من صيغة متاحة سواء من خلال النص أو مقاطع الفيديو أو الأصوات، فهناك فرص أخرى عديدة، كما أن هنالك تحديات من أبرزها عنصر الخصوصية والأمان فلطالما سمعنا عن هذين البندين وتوجسنا من الهجمات السيبرانية، أيضًا قد يواجه بعض المخضرمين مشاكل فنية وتقنية من خلال التعامل مع النهج العصري للكتابة المؤتمتة والتنسيق والمحاذاة، وما إليه، من ناحية متصلة، إن تواجد الشخص على اختلاف نشاطه وهويته في فضاء العالم الرقمي يحتم عليه التماهي مع المتطلبات في مجالات مختلفة كالتحديات القانونية بتواجد التصاريح اللازمة للمحتوى والمُنشئ على حد سواء، فضلاً عن حقوق الملكية الفكرية خاصةً مع هيمنة أدوات الذكاء الاصطناعي، وكالعادة، يجب على الشخص أن يبذل ما في وسعه لإيجاد سبل الاستدامةبهدف الحفاظ على التواجد على الساحة الأدبية والثقافية والمشهد الرقمي بشكل عام، ولا أستطيع أن أحدد مشاعري بحق تجاه الأدب الرقمي، لأنني أقف بين البينين، بين ماضٍ عبق وحاضرٍ مُشوق، ولا يسعنا سوى تسخير هذه التقنيات لأجل الأدب والثقافة والعلم النافع جله، والنأي بالنفس عن الاختلافات والخلافات تباعًا.