عبدالله إبراهيم الكعيد
أنا خايف.
مفردة يقولها الصغار في الغالب من أمرٍ غير معلوم بينما يقولها الكبار عن وعي بمصدر الخوف. فالخوف شعور أو استجابة لنداء داخلي يحذّر من خطر ما. قد يستجيب البعض لذلك النداء وقد يتجاهله البعض الآخر. وحتى أولئك الذين استجابوا تختلف لديهم ردود الأفعال حسب طبيعتهم السيكولوجية فيما أظن. بعضهم يبالغ في الحذر والخوف لدرجة الوسوسة، والبعض الآخر غير مبال فيقع في المآزق.
متى يكون الخوف طبيعياً ومتى ينقلب خوفاً مَرَضيّاً (نسبة للمرض)؟ أعتقد بأن أي فرد عاقل يستطيع إدراك الخوف الطبيعي المعتاد سيّما إذا سبق تجربته. أما الكائنات الحيّة غير العاقلة كالحيوانات فهي تشعر بالخوف عن طريق حواسها.. نُشاهد مثلاً قطّة تعبر الطريق وهي تتسكع لكن حينما تشعر باقتراب المركبات يشتغل لديها حس الخوف الفطري فتزيد من سرعتها حتى تشعر بالأمان.
من هنا يتضح أن الخالق عز وجلّ قد زود عقولنا بحساسات تستشعر الخطر وتقرر تبعاً لذلك عن وعي وبشكل فوري التصرف لتحقيق السلامة. إذاً الخوف من وجود خطر يهدد حياتنا حالة شعورية مغروسة داخل نظامنا العصبي العقلي الواعي فما عساه أن يكون بالنسبة للحيوان الذي يمتلك وعياً مختلفاً عنا كبشر. ما هو مُحرّك استشعار الخوف لديه ليتخذ قرارات مدهشة للابتعاد عن مصادر تُهدد حياته والاختباء، أقصد من الذي علّم الحيوان الخوف؟
كنت أظن أن الطيور وهي تعيش فضاء حُريّة تُحسد عليها بأنها لا تخشى أو تخاف الأسر. حتى قرأت رواية دُمية كوكوشكا الحائزة على جائزة الاتحاد الأوربي للأدب 2012 للروائي البرتغالي أفونسو كروش صاحب الرواية الشهيرة (الكُتب التي التهمت والدي) يذكر في رواية الدمية عن حال العصافير داخل أقفاصها في حانوت السيّد بونيفاز فوجل الذي اتضح له أن خوف العصافير موجود في داخلها ولم يك من الخارج. إذ طالما فتح السيد بونيفاز (حسب الرواية) أبواب أقفاص العصافير لكنها ويا للعجب لم تهرب، بل ظلّت منكمشة في إحدى الزوايا إلى درجة أنها كانت تتجنب النظر إلى الباب المفتوح وتتعمّد الانحراف بأعينها الصغيرة عن الحُريّة. أصبحت الحريّة لتلك العصافير مصدر خوف. تشعر بأن حريتها داخل القفص وليس خارجه. إذا الخوف من الحرية يعني الخوف من المجهول.
إن الخوف المخاتل قد لا نجد له تبريراً منطقياً في بعض الأحيان فقد نخاف من مجهول. نعم، مجهول وهذا أشد أنواع الخوف رعباً. فحينما نواجه خطراً معلوماً كحيوان مفترس أو ناراً اشتد أوارها أو مجرماً متهوراً يقتنص المارّة ببندقيته يُمكننا اتقاء ذلك الخطر وبالتالي يصبح الخوف وقتياً يزول بزوال الخطر، بينما الخوف المخاتل مجهول المصدر يصبح رعباً مستداماً يحتاج إلى علاج نفسي.
عن سبب الخوف هل يجوز لي القول: فتّش عن تخويف الصغار بالسعلاة أو السعلو أو حتى حمار القايلة؟