خالد بن عبدالرحمن الذييب
في عام 1960 حدد المؤرخ الاقتصادي الأمريكي روستو خمس مراحل في حركة المجتمع الحديث، وهي:
1 - المجتمع التقليدي.
2 - الشروط المسبقة للإقلاع.
3 - الإقلاع.
4 - السير نحو الاكتمال والنضج.
5 - مرحلة الاستهلاك الواسع.
الملفت في النظرية أنها تشير إلى أن هذه المراحل لا بد للدول النامية من المرور بها لتصبح ضمن الدول المتقدمة، وهي نفس الطريق الذي مشت به الدول المتقدمة خلال المائة عام من 1850- 1950م.
حسب روستو هناك مرحلة أولى وثانية تعتبر تعاقبا تاريخيا طبيعيا، ثم المرحلة الأهم وهي مرحلة الانطلاق، وفيها ينشأ الهيكل السياسي والمؤسسي والاجتماعي المؤدي إلى أن تصبح فيها القوى المشجعة على التقدم تسيطر، بحيث يصبح الحكم في يد «جماعة تعتبر تحديث الاقتصاد قضية جدية وتعطيها المقام الأول بين القضايا السياسية».
وعلى الرغم من وجود انتقادات لهذه الفكرة إلا أن ما يهمني هو المقارنة بينها وبين نظرية ابن خلدون في تطور المجتمعات.
ابن خلدون يشير في مقدمته إلى أن المجتمعات بمفهومها الأشمل مثل الانسان تولد فتحبو ثم تشب فتقوى ثم تكبر فتشيخ فتموت. الفرق بين الفكرتين أن ابن خلدون جعل للمجتمعات دورة «حتمية» لا بد لها أن تمر بها مهما اختلفت قوتها، كل ما يكمن عمله هو إبقاء الدائرة أو العجلة «أطول» فترة ممكنة لأنها ستقف لا محالة، بينما روستو لا يتكلم عن «حتمية» بل عن مراحل «تتابعية» قد لا يصل فيها المجتمع الى نهاية متى ما التزم بقواعد التطور والتقدم، عيب نظريته أنها ترى صعوبة اللحاق بالأمم المتقدمة، وقد تكون محبطة لأنه يلزم الأمة التي تريد أن تتقدم أن تبدأ كما بدأ الآخرون ليس من حيث انتهى الآخرون.
يمكن الربط بين النظريتين بإن كلتاهما تعتمد على فكرة «المرحلية» في التقدم، فهناك «مراحل» لابد لكل مجتمع أن يمر بها...
أخيراً ...
الفرق بين النظريتين أن ابن خلدون جعل البداية ثم القمة فالسقوط أمر «حتمي» لا مفر منه وربما كان ذلك يعود لخلفيته الإسلامية التي تؤكد على أن كل شيء زائل إلا وجه الله سبحانه، وما ينطبق على الأنفس ينطبق على المجتمعات. بينما فكرة روستو تؤكد على الإرادة الإنسانية وقدرتها على إبقاء المجتمع متقدما بشكل أزلي إذا حافظت على شروط التقدم والقوة.
ما بعد أخيراً...
روستو يؤكد ولكن بطريقته الخاصة أن «ابدأ من حيث انتهى الآخرون» ليست صحيحة دائماً.