سارا القرني
لم تكن الحياة سهلة على أحد.. أو معقدة بشكل دائم على أحد، لكنها تأخذ منعطفات لا بدّ معها أن تتغيّر من شخصيتنا وأخلاقنا، فمن استوعب الدرس صار أفضل، ومن فاتته الحكمة من المواقف.. إذا لم يصبح سيئاً فهو على الأقلّ لم يتغير!
الأخلاق منها ما هو فطرةٌ ومنها ما هو مكتسب، ومتغيرات الحياة وتقلباتها يصقلان هذه الأخلاق.. ويطوّعان المرء على نزعة الخير، والتربية إن كانت شرطاً لكنها ليست موجبةً لحُسن الخلق، فكم من أسرةٍ ربّت وكان من أفرادها من لا يستحقّ كلمة «إنسان»!
في الحقيقة مررتُ بموقفٍ دفعني إلى التفكير في أسباب التعامل السيىء.. إذ احتدم أمرٌ بينَ فتاةٍ وأخرى على مرأى ومسمع الجميع، فشتمت إحداهنّ الأخرى بشتائم لا تليق.. وألفاظ قبيحة، فسقط بذلك حقها وإن كانت صاحبة حق، وليس هذا مربط الفرس.. بل ما فعلته إحداهنّ حين صارت تهدّئ المشتومة وتقول لها «اعذريها.. فهي يتيمة» فقفزت في بالي عدة أسئلة «ألا يملك اليتيم أخلاقاً؟ وهل يجوز لليتيم أن يكون سيىء الخلُق؟ وهل اليُتمُ عذرٌ للقبح؟»
في مواقف كثيرة.. نجد البعض يتعذرون لسوء أخلاق غيرهم بأنهم أيتام أو لأنّ الشاتم أصغر من المشتوم عمراً فلا بدّ للمشتوم أن يعذره لصغره، أو العكس.. أن يكون الشاتم رجلاً قد جاوز الأربعين فيُخطئ على من هو أصغر منه، ويُجبر الصغير على احترامه والسكوت عنه، وكلها أسبابٌ لا تبرّر الخطأ وسوء الخلُق، لكنها صارت راسخةً في خلفيتنا العقلية وأذهاننا إنها أسباب مقبولة للتجاوز عن الخطأ وإباحته في تلك الحالة!
لا يا سادة.. ليس عيباً أن يُقال للكبير أخطأت على من هو أصغر منك فتأدّبْ معه، وليس لليتيم أن يُخطئ فيعذره الناس، فاليتيم قد كبُر وصار قادراً على التمييز رجلاً كان أو امرأة، ويسري عليه ما يسري على البقية من واجباتٍ ومحظورات، وله من الناس أن يعاملوه بالحُسنى كما يجب عليه أن يعاملهم بها!
لا أخلاق إلا عند الغضب.. فمن كانت غضبتهُ شتماً وسوء منطق فما جاوز الجاهل بجهله، والغضب يُذهبُ العقل.. لكنّ الأخلاق الكريمة تُبقيهِ ثابتاً كجبلٍ لا يهتزّ، ومن لا تجرّبه في غضبه ما جربتَهُ في كثير من شؤون الحياة، ففي الغضب تظهر المعادن الحقيقية، وإلا لما كان الفجور في الخصومة خصلةً من خصال النفاق، والنفاق أسوأ الأخلاق بلا منازع!
في مكة.. كان المشركون ينكّلون المسلمين بأشدّ أنواع التعذيب والألفاظ، ولم يكن ليقابلهم المسلمُ بسِبابٍ أو سوء خلق، حتى ضاقت مكة على أهلها بسبب سوء أخلاقهم، وصارت عليهم منقصةً بين الناس!
بالطبع لا ننكر أن الصبر جميل والعفو أجمل، وأنّ من يغفر زلة أخيه ويتجاوز عنها سيتجاوز الله عنه يوم القيامة، وأنّ الدفع بالتي هي أحسن منهجٌ رباني قرآني ليتنا أخذنا بهِ عن بكرة أبينا دون استثناء، ولا يعني أنّ الكلّ سيىء.. لكنّ لا تبرّروا سوء الخلق بأعذار واهية، فكلنا قد فقدنا شخصاً عزيزاً، وكلنا يكبرنا بالعمر أشخاص ويصغرنا بالعمر آخرون، ولا نطلب من هذا وذاك إلا حُسن أخلاقهم، ولنكن مسلمين حقاً.. يسلم المسلمون من لساننا ويدنا، والسلام!