رقية نبيل عبيد
«ركبت البغال في أعالي الهيملايا، وركبت النفاثة في هوليوود».
«وكان لي أصدقاء من أصحاب الملاليم وأصدقاء من أصحاب الملايين».
«وكنت أضع حقيبتي الوحيدة في مهب الرياح والعواصف وأرحل إلى بلاد جديدة وكنت أكتب ليلًا ونهارًا وكانت مقالاتي تسبقني إلى أكشاك الصحف وأرصفة المجلات» «وقد كتبت هذا الكتاب تحت أشجار الموز وكتبته تحت ظلال جوز الهند وكتبته على طاولة أنيقة في سيدني وكتبته على مصابيح الجيشا في كيوتو».
«وكانت كل المطارات موحشة تستقبلني وحيدًا فقد سافرت وحيدًا وعدت وأنا أكثر وحدة».
«وقد رأيت العالم أكثر مما رأوه رواد الفضاء المحبوسين في براميل سوداء، فهم قد رأوه من فوق وأنا مشيت فيه، هم رأوا القارات والمحيطات وأنا رأيت المدن والقرى والناس».
اليوم ومع وجود العالم كله على صفحة الشاشة السوداء بين يديك، تكفيك كلمة في محرك البحث لترى كل عجائب الدنيا وغموضها وكهوفها ودفين أسرارها، تكفيك نقرة ناعمة لتنقلك إلى الصين أو أعالي التبت أو إلى نهر الأمازون، اليوم قد تصرح ألا فائدة أو جدوى تذكر لهكذا كتاب.
«حول العالم في 200 يوم» للكاتب الساخر والصحفي شديد الحذق أنيس منصور، الرجل الذي ولد فقيرًا ورضع الكتب منذ عرف معنى الأحرف والورق والقلم، أنيس منصور وُلد مغامرًا، تفوق في كل سنواته الدراسية بسهولة تامة فقط ليدخل تخصص الفلسفة آخرًا، أجاد تقريبًا كل ما حاول تجربته، ولم يكن مستغربًا أن يصبح أحد أكثر الصحافيين خضرمة ومهارة بلا استثناء!
هذا الكتاب هو رحلته حول العالم، غير أنه يختلف عن صفحات الإنترنت والصور الملونة المبهرة والأخبار المثيرة السريعة ذلك أنك ترى الناس عبر عيني الكاتب، وتراقب البشر على اختلافهم وتشهد وإياه مغامراته الممزوجة بسخريته وذكائه المعهودين، يصطحبك في رحلته لرؤية الداي لاما والأهوال التي اعترضته في سبيل ذلك، يحكي لك عن الهند والسيول التي راقبها بعينه تجرف القرى والناس والأطفال، والفنادق التي لا أقفال لأبواب غرفها، وركوبه فوق ظهور الهنود الذين يحملونه وهم يسعلون وتصفر وجوههم إلى أعالي الجبال لمقابلة قداسته دون ميعاد!
وكل المتعة في الكتاب لمحدثك الذكي صاحب النكتة والفكاهة الحاضرة حتى لتمضي منك صفحات الكتاب دون أن تشعر، وإذا بك تجد نفسك فجأة في اليابان ثم النمسا وأمريكا، وهذه الدول لا أفعل أنا سوى أن أعدد اسمها الدال عليها في حين أن الكاتب يأخذك حرفيًا إليها! إلى أدق تفاصيلها وأصغر حارة منها، إلى فقراء أناسها وأغنيائهم وشتى وجوههم المتنوعة وكل العادات والمواقف الغريبة والطريفة التي تعرض له، هي رحلة لا تريدها أن تنتهي وقطعًا لا تماثل كلمة تطبعها في محرك البحث ذلك لأنها حكايات صحفي شاب طموح وخائف وشجاع في الوقت ذاته وكاتب من الطراز الأول يعرف أجمل طرق السرد وأكثرها تشويقًا.