د.محمد بن عبدالرحمن البشر
عند استعراض مائة من الشركات العالمية من حيث القيمة السوقية، فلابد للمرء أن يلاحظ تربع الولايات المتحدة الأمريكية على المرتبة الأولى من حيث المرتبة، والعدد، والقيمة السوقية للشركة، وتنوع النشاط، وغير ذلك، وبفارق كبير عن باقي دول العالم، كما سيتجلى للمتتبع ما تتمتع به شركات التقنية، من قيمة تبز بها غيرها من الشركات، والمرتبة الأولى تتنافس عليها ثلاث شركات تقنية أمريكية، وتتبادل ذلك المقعد الوثير، وهي انفيديا، ومايكروسوفت، وابل، والغريب أن لعبة الكراسي هذه أصبحت سريعة لا تتعدى أياماً، بل ربما يتم التبادل في اليوم الواحد، وتتجاوز قيمة كل واحدة منها ثلاثة ترليونات دولار، وجميعها مرشحة للوصول إلى أربعة ترليونات دولار وأكثر في بضعة أسابيع، بينما تهرول شركة جوجل خلفهن بعد أن تجاوزنها بمسافة كبيرة جداً، فهي مازالت، تتجاوز اثنين ترليون بقليل، لكنها مهيأة للقفزة، عند حدوث طفرة ما في تقنيتها، وتليها شركة أمازون العاملة في مجال تجارة التجزئة، ومن غير المرجح أن تزاحم شركات التقنية السريعة النمو، والتغير التقني لاسيما في مجال الذكاء الاصطناعي.
تأتي شركة أرامكو السعودية العملاقة المتخصصة في الطاقة لتكسر ذلك السبق عند الشركات الأمريكية، بقيمة تقرب من تريليونين، كما أنها تمنح أرباحاً للسهم بأكثر من ستة في المائة، وهو ما لا تفعله أي شركة من الشركات المائة الكبيرة، كما أنها شركة عريقة، وهي الأكثر أماناً من غيرها من الشركات، ولديها هامش ربح مرتفع، وهي شريان العالم في توفير الطاقة، ومن المعلوم أن أهميتها وتأثيرها على العالم أكثر بكثير من باقي الشركات.
وبعد شركة أرامكو السعودية، يعود عدد من الشركات الأمريكية إلى القائمة حتى تحد من استمرارها شركتان أوروبيتان، لتعاود الشركات الأمريكية مرة أخرى، ثم تظهر شركة صينية متخصصة في الطاقة، ثم يستمر الحال بين عدد من الشركات الأمريكية، وعدد محدود من شركات أخرى في العالم، حتى تنتهي تلك القائمة القابلة للتغيير المستمر سواء من حيث القيمة والترتيب، وربما الدول بعد زمن طويل.
هنا يبرز تساؤل كبير عن سبب تفرد الولايات المتحدة بهذا السبق الجلي، ولابد أن سبباً واحداً لن يكون كافياً لتفسير هذ الواقع، غير أنه يمكن ذكر بعض الأسباب لتفسير ذلك، منها البيئة العلمية والمالية المناسبة، والتنافسية، والحرص على جلب العقول المميزة، واعتقاد أصحاب الطموح والعقول أن الولايات المتحدة مرتع خصب للإبداع، وتحقيق فرص النجاح، ومن ثم الهجرة إليها، إضافة إلى أنها سوق كبيرة جداً، والقوة الشرائية لدى الفرد عالية، وإجمالي الإنتاج الوطني هو الأعلى في العالم حيث يبلغ ثمانية وعشرين ترليوناً، تليها الصين بنحو ثمانية عشر ترليون دولار، بينما يقع إجمالى الإنتاج الوطني لكل واحدة من الدول العشرين نحو أربعة ترليونات وأقل، كما أن الأمن القومي والاجتماعي والنظم القانونية المتبعة جيدة، إضافة إلى عدد السكان الذي يبلغ المرتبة الثالثة بعد الهند والصين بنحو ثلاثمائة وخمسة وثلاثين نسمة وبقوة شرائية كبيرة، أسباب أخرى لسبقها.