د. تنيضب الفايدي
اللّهم حبَّبْ إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشدّ، بهذا الدعاء المبارك أصبحت المدينة النبوية أحب البقاع على وجه الأرض لكل مسلم ومسلمة، وكذا ما احتوت من معالم مثل: المساجد والآطام والحصون والأسواق والآبار والأودية والجبال والحرار وغيرها من المعالم، وكيف لا يشتاق إليها الإنسان وهي مأوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومثوى الأنصار والمهاجرين الأبرار ومكان نزول القرآن الكريم، وأرضها تضم بين أحضانها أشرف الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وكثيراً من الصحابة والتابعين فهي خير بقعة في الأرض. ومعالم المدينة كثيرة، أذكر أبرزها بالاختصار، ومن تلك المعالم:
أولاً: المساجد:
* مسجد قباء:
أول مسجد بناه رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وصوله من مكة مهاجراً، يقع هذا المسجد في جنوب المسجد النبوي الشريف، وجدد عدة مرات. كما أن من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء، فصلى فيه صلاة كان له أجر عمرة. فقد روى أبو أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من توضأ فأسبغ الوضوء وجاء مسجد قباء فصلى فيه ركعتين كان له أجر عمرة. رواه البخاري». ولعِظم مكانة مسجد قباء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان دائم التردد إليه، إما ماشياً أو راكباً، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:» كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي مسجد قباء كل سبتٍ ماشياً أو راكباً» متفق عليه.
* المسجد النبوي الشريف:
ثاني مسجد بناه رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما وصل إلى المدينة النبوية من قباء، تمت توسعته الكبرى في العهد الميمون الحالي. والصلاة الواحدة في هذا المسجد تعدل ألف صلاة فيما سواه من المساجد، عدا المسجد الحرام، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام). متفق عليه.
* مسجد بني سلمة (القبلتين):
سمي مسجد بني سلمة لوجوده في حيهم وهو من المساجد التي صلى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وسبب تسميته لأنهم صلوا قبلتين في صلاة واحد بعد نزول الآية {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}. موقعه معروف وجدد عدة مرات مع التوسعة، وهو اليوم يسمى مسجد القبلتين.
* مسجد الجمعة:
صلى به النبي صلى الله عليه وسلم أول جمعة بالناس في طريق قدومه إلى المدينة المنورة قادماً من قباء، يقع شمال مسجد قباء وبينهما مسافة قصيرة في حدود (700) متر، جدد عدة مرات، أما الآن فقد أعيد بنائه مع توسعته.
* مسجد بني معاوية أو مسجد الإجابة:
يعرف الآن بمسجد الإجابة، وقد ثبت بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه، يقع شرق المسجد النبوي وتفصل بينهما الحلقة الدائرية الأولى. ولا زال عامراً وقد أعيد عدة مرات مع توسعته.
* مسجد السجدة أو الشكر:
من المساجد المعروفة إلى يومنا هذا مسجد السجدة وهو مسجد صغير، وكان موضعه في الأصل نخلاً وتدعى تلك المنطقة بالأسواف، يطلق عليه العامة مسجد أبي ذر. ولا زال عامراً شمال المسجد النبوي الشريف بمسافة تقارب (700)م. وقد جدد ووسِّع.
* مسجد المصلى (الغمامة):
في موضعه كان صلى الله عليه وسلم يصلى صلاتي العيد والاستسقاء. ولهذا عرف بمسجد المصلى. يقع في الجهة الغربية من المسجد النبوي الشريف، وكان يعرف بالمناخة وسوق المدينة المنورة. جدد عدة مرات ولا زال في موقعه والحمد لله.
* مسجد الفتح أو الأحزاب
أو المسجد الأعلى:
ثبت بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلى في موقع المسجد الأعلى، يقع فوق جزء من جبل سلع في الشمال الغربي منه ويصعد إليه بدرج، لا زال في موقعه ولم تطرأ عليه أي توسعة وقد رمم سنة 1411هـ.
* مسجد بني حرام:
نسبة إلى بني حرام فرع من قبيلة بني سلمة وتقع منازلهم في شعب جبل سلع يكتنفه البنيان. وهو خلف مدارس البنات في السيح. يسمى حالياً مسجد جابر بن عبد الله وهو مسجدٌ قائم. ويقال له: مسجد الشعب أو مسجد شعب بني حرام.
* مسجد بني دينار:
ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في مسجد بني دينار عند الغسالين، يقع في المغيسلة، لا يزال هذا المسجد موجوداً وقد جدد عدة مرات.
* مسجد المنارتين:
سمي بالمنارتين لوقوعه قرب المنارتين ويقصد بهما الجبلان الأصفران من ناحية الشمال من الحرة، ويعرفان اليوم بالأصيفرين وهو من المساجد التي صلى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. يقع على يمين طريق عمر بن الخطاب رضي الله عنه للمتجه غرباً بعد دوار العنبرية، وقد وقف عليه الكاتب وهو مجموعة من بقايا الصخور وحوله بعض الدور، وقد جدد حديثاً.
* بئر ومسجد السقيا:
في هذا المكان دعا عليه الصلاة والسلام بالبركة للمدينة كما جاء في حديث قتادة رضي الله عنه، يقع داخل سور محطة سكة الحديد في جهتها الجنوبية، ولا زال المسجد موجود العين داخل فناء سكة الحديد، أما البئر فلا توجد حالياً حيث طمرت عند تنفيذ الطريق.
* مسجد الشجرة أو مسجد الميقات:
هذا المسجد من المواقع التي صلى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأكثر من مرة، وهو الميقات حالياً، جدد عدة مرات وآخرها توسعة كبيرة للمسجد
كما أن هناك مساجد أخرى اندثرت واختفت معالمها، لا مجال لذكرها هنا. وقد حددها الكاتب مفصلاً (49 مسجداً) في كتابه: ثقافة الأديب عن آثار ومواقع في بلد الحبيب صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: الآبار:
اشتهرت تاريخياً سبعة آبار حيث أطلق عليها مسمى: آبار النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعذب ماءها، فشرب منها ودعا لها بالبركة، وبصق في بعضها، أو جلس عليها وهي: بئر أريس، بئر حاء، بئر رومة (بئر عثمان) وبئر غرس، وبئر البصة، وبئر بضاعة، وبئر العهن.
* بئر أريس أو بئر النبي صلى الله عليه وسلم أو بئر الخاتم:
وهي التي سقط فيها خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من يد أمير المؤمنين سيدنا عثمان رضي الله عنه وتسمّى بئر الخاتم، وتغسّل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بئر أريس، فعذب ماؤها بعد أن كان أجاجاً. وموقعها عند مسجد قباء.
* بئر البصة:
ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غسل رأسه، وصب غسالة رأسه ومراقة شعره في البصة. قد أزيلت معالم البئر وأصبح مكانها بناء كبير (يسمى وقف البوصة والنشير) والبئر اليوم قد ضاعت معالمها تحت ذلك البناء الكبير الذي يقع جنوب المسجد النبوي.
* بئر بضاعة:
بئر بضاعة تقع في دور بني ساعدة وبالقرب من سقيفتهم، وقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم جلس في سقيفة بني ساعدة وَأُحضر له ماء من هذه البئر وشرب، لذلك تعتبر من آبار النبي صلى الله عليه وسلم ووصفت بأنها بئر مليحة طيبة الماء، ووقف الكاتب على بئر بضاعة عدة مرات، كما كان يذهب بطلابه إلى سقيفة بني ساعدة القريبة منها. أما الآن فالبئر غير موجودة ولكن مكانها معروف.
* بئر حاء (بير حاء):
كانت في شمال المسجد النبوي في العهد النبوي وما بعده، وهي عند باب المجيدي في التوسعة العثمانية، ولقد دخلت الآن في نطاق التوسعة الشمالية للمسجد النبوي الشريف وموقعها الآن على يسار الداخل من باب الملك فهد رقم (21).
* بئر رومة:
هي التي اشتراها عثمان بن عفان رضي الله عنه فتصدق بها على المسلمين فجعل الناس يستقون منها بعد أن كان ماؤها يباع، ولا يستطيع البعض دفع الثمن، والبئر اليوم لا زالت معروفة وموجودة بالقرب من وادي العقيق، قبل التقائه ببقية أودية المدينة في حي حديث يسمى حي بئر عثمان.
* بئر العهن:
قال المطري: بئر العهن هذه معروفة بالعوالي، ملحة جداً منقورة في الجبل، وعندها سدرة. أقول: بئر العهن بالعالية ولا زالت موجودة، ولكنها هدمت حيث طمرت بالصخور، حولها بقايا الدور القديمة، وأكوام من الصخور البازلتية.
* بئر غُرس:
روي أن رباحاً (أحد خدم النبي صلى الله عليه وسلم) كان يستقي للنبي صلى الله عليه وسلم من بئر غُرس مرة، ومن بيوت السقيا مرة أخرى. وروي عن علي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أنا مت فاغسلوني بسبع قرب من بئري بئر غُرس). رواه ابن ماجة وهذه البئر لازالت موجودة في نهاية شارع قربان (بالقرب من قرية جفاف) وعلى فوتها تم إنشاء بناء للمحافظة عليها.
* بئر ومسجد السقيا:
وبظاهر الحرة استعرض صلى الله عليه وسلم جيش بدر، وهذه الأرض كانت لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وفي هذا المكان دعا عليه الصلاة والسلام بالبركة للمدينة، وقد ورد بأن الماء من بئر السقيا يحمل إلى بيوت نسائه صلى الله عليه وسلم من بئر السقيا، ولا زال المسجد موجود العين داخل فناء سكة الحديد، وللمسجد ارتباط ببئر السقيا الذي أزيلت معالمه.
* العين الزرقاء:
تعدُّ العين الزرقاء المصدر الأساسي للماء داخل المدينة المنورة من عهد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وحتى عهد قريب، فقد أجرى مروان بن الحكم أمير المدينة المنورة رحمه الله في عهد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وبأمره أجرى الماء من مجموعة آبار في قباء التي تبعد عن المدينة آنذاك ما يقارب ثلاثة أميال، وذلك ضمن قنوات داخل الأرض، من آبار غربي مسجد قباء، ومن هذه الآبار بئر أريس وبئر عذق وجعل لها عدة مناهل داخل المدينة، ينزل إليها بدرج، منها منهل بالمصلى (مسجد الغمامة) ومنهل بالقرب من باب السلام ومنهلان بالساحة ومنهلان بالزكي، اشتهر أحدهما ب (عين الزكي) إلى وقت قريب، كما وصلت العين الزرقاء إلى سيد الشهداء، حيث عمل منهل هناك. وماء العين الأزرق ينساب بانخفاض متدرج من قباء حتى آخر عين من العيون وهذا يتطلب جهداً ومهارة. وقد أطلق على (العين) عين الأزرق نسبة إلى مروان بن الحكم أمير المدينة لزرقة في عينيه. وغلب عليها اسم (العين الزرقاء)، وقد ذكرها كثير من المؤرخين والرحالة مثل ابن بطوطة، محمد لبيب البتانوني.
ثالثاً: الأسواق:
اشتهرت المدينة بعدد من الأسواق في العهد الجاهلي وكذا بعد الإسلام، نظراً لوقوعها على الطريق التجاري بين مكة والشام، فكانت تختلف إليها القوافل التجارية الذاهبة والآيبة، أما أسواق المدينة في العصر الجاهلي فهي: سوق بني قينقاع، سوق بالصفاصف، سوق زبالة، سوق مزاحم.
وبعد الإسلام اشتهرت سوق المدينة (المناخة)، وهي أحد الأماكن ذات العبق التاريخي المرتبطة بالعهد النبوي، يقع غربي المسجد النبوي، ويبدأ شمال مسجد الغمامة (المصلى)، ويمتد إلى القرب من ثنيات الوداع شمال المدينة المنورة قديماً. وقد أقامها وحدد حدودها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه ليخلصهم من سيطرة اليهود على الاقتصاد في المدينة المنورة، فعن أبي أسيد أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني قد رأيت موضعاً للسوق أفلا تنظر إليه؟ فجاء به إلى موضع سوق المدينة، قال: فضرب النبي صلى الله عليه وسلم برجله، وقال: «هذا سوقكم فلا ينقصن منه ولا يضربن عليه خراج».
وبقي هذا السوق صامداً (موقعاً) حتى وقت قريب، ويعرف أهل المدينة حدود ذلك السوق حتى وقت قريب، حيث تبتدئ الحدود الأصلية لهذا السوق من مسجد المصلى (الغمامة) إلى قلعة الباب الشامي، (والقلعة كانت على جبل سليع باب الكومة وقد أزيلت)،
رابعاً: الآطام والحصون:
اشتهرت المدينة المنورة بالحصون والآطام قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إليها وقد أثبت القرآن الكريم هذه المباني قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} (2) سورة الحشر. ولما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة كان الآطام والحصون عزَّ أهل المدينة، وتؤدي دورها ووظائفها، فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبقاها على حالها، بل منع من هدمها ووصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها: زينة المدينة فعن ابن عمر رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آطام المدينة أن تهدم». وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم: «لا تهدموا الآطام فإنها زينة المدينة» رواه الطحاوي. وأمر صلى الله عليه وسلم المسلمين ببناء آطام جديدة، فبنى الأنصار والمهاجرون ستة وخمسين أطماً جديدة تنفيذاً لأمره الكريم. وقد وصل عددها أكثر من مئة أطم فلكل قبيلة كان لها أطم أو حصن أو أكثر من واحد.
ولم يبق من تلك الآطام والحصون إلا بعض بقايا الآطام.. مثل: حصن كعب بن الأشرف، حيث يقع ظاهر المدينة (سابقاً) أما الآن فقد جاوزه البنيان بمسافات طويلة جنوباً، وبالقرب منه شعب يطلق عليه (شعب العجوزة) وهو أحد روافد وادي بطحان الذي يخترق المدينة المنورة. ويعطي هذا الحصن الهائل ذو الحجارة الضخمة، والأبراج العظيمة صورة ناطقة عن كيفية بناء الحصون والآطام قبيل انتشار الإسلام ومع بدايته، وهذا الحصن مربع الشكل (33م × 33م). ويبلغ ارتفاع بعض جدرانه أكثر من أربعة أمتار ولكن بدأت صخورها تتساقط ويتكون المبنى من عدد من الغرف، وتختلف مساحاتها من غرفة لأخرى، بعضها مربع الشكل أو مستطيل وتتراوح أطوالها ما بين (5.5م × 4م) أو (2.5م × 3.5م) وتفتح أبوابها على فناء واسع داخلي، وقد عمر الحصن بصخور ضخمة، يبلغ طولها 1.5م وعرضها 80 سم، وسمكها 0.50م ولا زالت آثاره شاخصة، وتعطى مثالاً حياً على نوع العمران في المدينة المنورة من العهد النبوي.