خالد محمد الدوس
هناك رجال نبلاء في مجتمعنا الرياضي لا يمكن أن يغيبوا عن الوجدان والأذهان مهما توالت الأيام.. وهرولت الشهور.. وتراكمت السنين..! لأنهم وبكل بساطة رسموا صورة مثالية عن ذواتهم طوال فترة بقائهم داخل المستطيل الأخضر وحتى خارجه بعد اعتزالهم.
ومن هذه النماذج الرائعة التي تحضر في الصفوف الأمامية وتتصدر المشهد في قائمة (من ذاكرة المحبين).. حارس فريق الشباب الدولي السابق (الخلوق جداً) عبد الله بن حسن آل الشيخ -شفاه الله- الذي اشتهر بالجمع ما بين المستوى الفني والخلق الرفيع عندما كان يلعب مع (شيخ الأندية) أكثر من عشرة أعوام كانت مليئة بالذكريات الجميلة والنجومية اللامعة التي عاشها مع جيل الكبار والأسماء اللامعة الذين كانت تعج بهم خارطة النادي العاصمي المخضرم (الشباب) في عقد التسعينيات الهجرية من القرن الفائت.. وغادر ميدان المنافسة تاركاً سيرة نيرة وسمعة طيبة عنه كنجم دولي مثالي اشتهر بأخلاقه العالية وتعامله الرفيع مع الجميع.
ولأن الإنسان في حياته مبتلى فقد أصيب نجمنا الخلوق (أبو فراس) بمرض عضال قبل أكثر من ثمانية أشهر وأصبح يتلقى العلاج على مراحل في مستشفى الملك فيصل التخصصي.
وبسبب ظروفه الصحية المتمثلة في ضعف (المناعة) وقفت حاجزاً في زيارته في المستشفى ولكن حرصت على التواصل مع الأخ العزيز صاحب القيم والقيمة والمقامة (أبو فراس) بالهاتف وما أثلج صدري وسر خاطري عندما تحدثت معه وهو يعيش في قمة إيمانه بقضاء الله وقدره والروح المعنوية العالية مما أدخل السرور إلى وجداني مستمداً -شفاه الله- هذا الشعور من قوة الإيمان وصلابة الإرادة والصبر والاحتساب وهو يردد عبارة.. (الحمد لله).. الإنسان دائماً مبتلى وأنا (والكلام لأبي فراس) أشكر الله عز وجل على ما أنا فيه.. يا لها من مشاعر عظيمة نابعة من عمق الإيمان وروح الصبر والعزيمة القوية في مثل تلك المحن والنوازل.. فها هي ثمار الصبر وحسن الظن بالله عز وجل بدأت تينع مع شروعه في تلقي العلاج على مراحل حيث ظهرت مؤشرات إيجابية على تقدم حالته الصحية وسرعة الاستجابة للعلاج.. لأن الإنسان متى ما تيقن أن الله عز وجل منزل الشفاء، وأخذ بالأسباب وقرع الأبواب.. بالتأكيد سيكون الأمل كبيراً نحو الشفاء والتعافي.. وكم من حالات مماثلة كتُب لها الشفاء لأنها تمسكت بحبل الدعاء والقلب معلق بالله داعياً ومناجياً للمولى جل شأنه. وما أروع الانكسار والانطراح بين يدي الله تعالى.. فهي من أعظم العبادات وأجل القروبات.. والدعاء -لامناص- هو العبادة.
كان قبل مرضه وملازمته للسرير الأبيض يجمع الرياضيين القدماء والإعلاميين في استراحته العامرة بالكرم والأصالة بشمال الرياض كل يوم جمعة وكان يسعد كثيراً بزيارة أصدقائه وأحبابه واجتماعهم الأسبوعي على مائدة (الوئام) وهذا غير مستغرب من (أبو فراس) الذي عرف عنه الكرم والنبل والوفاء والشهامة والطيبة المتناهية التي جعلت من يعرفه عن كثب يتفق على محبته لدماثة خلقه ونقاء سريرته واحترامه للجميع صغاراً وكباراً.. فهو سليل أشهر أسرة علمية في المجتمع وهي أسرة آل الشيخ الكريمة الطيبة ذات العلم والفضل كشخصية اجتماعية مهذبة نشأت على قيم التواضع والبساطة والبشاشة العفوية التي كانت لا تحجب تحت أي ظرف مع الجميع.
في آخر اتصال هاتفي تلقيته منه -شفاه الله- قبل ثلاثة أيام وتحديداً قبل إجرائه للعملية المطولة كان صوته المعروف يحمل لغة التفاؤل وروح الثقة والإيمان الراسخ بطلف وكرم وعناية خلقه العظيم, فعشت بعد الانتهاء من المكالمة حالة متباينة وممزوجة بين الفرح والحزن..!! فرح لمشاعره الإيمانية القوية التي تفوح من على (سرير المرض والمعاناة) لهذا الرجل الصابر المؤمن القوي, وحزن في الوقت ذاته لأن هذا السلوك الوجداني يعتبر أمراً فطرياً جُبل عليه بنو البشر في مثل تلك المواقف الصعبة وبالذات في المحطات المرضية..! فحين كان حديثنا يدور عن أحواله الصحية وأموره المرضية.. كان يردد عبارة (الحمد لله) أنا في نعمة وأشكر الله على ما أنا فيه، وحاولت أن أرفع سقف العزيمة الفولاذية ودعم حالته المعنوية لكنه كان يؤكد لي في كل مرة أنه صاحب إرادة صلبة وإيمان قوي هكذا كان -شفاه الله- وهو (أسير بالمرض) نعم كان (ضابطاً) لحالته المعنوية والنفسية العالية لأنه مدرك أنه مثاب في كل لحظة يعيشها مع آلامه ومعاناته وقد اتخذ من الصبر مطية تسير في دروب الثقة والتفاؤل والإيمان بطلف ورحمة وكرم الربّ العظيم.
وقبل أن أغلق اتصالي الأخير معه طلب مني الدعاء له.. لأن دعوة المسلم لأخيه في ظهر الغيب مستجابة.
أسأل المولى عز وجل أن يكتب الشفاء العاجل لأخي الحبيب.. القريب للقلب (عبد الله آل الشيخ).. وأن يجعل ما أصابه من مرض وآلم تكفيراً وتمحيصاً للذنوب والخطايا وأن يمده بموفور الصحة والعافية.
وأخيراً وليس آخراً لا تنسوهُ بالدعاء الصادق.. فربما دعوة في ظهر الغيب تسعد نفساً وتكشف ضراً.