سلمان بن محمد العُمري
أرشدنا المولى عز وجل إلى سُبل ووسائل تجنُّب مكائد الشيطان ووساوسه، وإلى وسائل تجنُّب مكائد شياطين الإنس وإن تخفَّوا في (شوكة طين، أو حيَّة تبن)، وعلَّمنا رسولنا الكريم من الذكر والدعاء ما يقينا من شرور أنفسنا وشرور كل ما أراد بنا شراً، وفي سيرته وسُننه صلى الله عليه وسلم كثير من الذكر والدعاء الذي يقينا -بإذن الله- من كل سوء، لكننا ومن منطق الأخوة الإيمانية التي تجعلنا نحب لإخواننا ما نحب لأنفسنا ونكره لهم ما نكره لأنفسنا ندعو الله أن يتخلص هؤلاء من أحقادهم وحسدهم قبل أن تدمِّرهم وتدمِّر الآخرين الذين قد يغفلون عن الذكر والدعاء.
هؤلاء الحاقدون الحاسدون الذين نراهم في أماكن كثيرة في مجتمعنا وحياتنا عموماً، نراهم يتحدثون حديثاً ناعماً في وجوهنا يُخفون به أحقادهم التي تشتعل في قلوبهم، وحسدهم الذي يطفح رغماً عنهم فيشكل ملامحهم، وحينما يجدون فرصة لبث سمومهم لا يتوانون عن الظهور بأساليب مختلفة نتاج أنفسهم المريضة الخبيثة.
نقول: لقد أبدع العقل الشعبي العام عندما وصف هؤلاء بأنهم (شوكة طين)، أو (حية في تبن)، وربما سماهم البعض (السوس)؛ فالطريق مهما كان ممهداً وسالكاً ومضاءً لا يخلو من مثل هذه الشوكة التي أعماها حقدها أن تبصر، لكنه لم يمنعها من أن تصيب وتؤذي وتعرقل سير السائرين الذين انشغلوا بالسير فلم يشغلوا أنفسهم بالبحث عنها، وهم أيضاً (حيَّة في تبن) يصعب رؤيتها أو قتْلُها حتى وإن توقَّعنا وجودها، وبالتالي يصعب تجنُّب إيذائها تبعاً لصعوبة تحديد مكانها، أو معرفة المكان الذي سوف تنطلق منه لتنفث سمومها الساخنة -سخونة التبن- في وجوهنا، وهذه الأشواك والحيَّات موجودة في كل زمان، وفي كل مكان، وما أكثر ضحاياها، فكل طريق لا يخلو من شوكة طين، وكل تبن يُتوقع أن به حيَّة تنتظر فريستها دون ملل.
وإذا كان من غير الموضوعية أن نتحدث عن كيفية مواجهة ما لا نراه، أو نحاول تجنُّب إيذائه، فإن الحديث عن مواجهة (شوكات الطين) و(حيَّات التبن) يصبح ضرباً من العبث، وتزداد العبثية عندما يكون لهذه الحيات والأشواك عقول تفكِّر وتجهدها لإيقاع الضرر بإنسان لا ذنب له سوى أنه اجتهد فكافأه الله على اجتهاده، وأخلص عمله فنال أجر العاملين، وما أصعب المواجهة إذا كانت هذه الحيات والأشواك تتخفَّى خلف معسول الكلام وجميل المشاعر المزيفة، وتتحيَّن الفرصة تلو الفرصة لتمزيق أقدام السائرين على الطريق، أو الغافلين الذين أغراهم سكون التبن المتراكم ونسوا الخطر الذي يكمن في قلب هذا السكون، وتزداد المواجهة صعوبةً مع تجدُّد وسائل (الحيَّات) من بني البشر لبثِّ سمومهم والتنقيب عن حقدهم ما بين إطلاق الشائعات، والخوض في سِير الناس وذممهم وأعراضهم، وصعوبة إيجاد الأدلة التي تثبت سوء النية والفعل!!
تلك الأنفس الخبيثة الدنيئة ستدور الدوائر عليها من داخل بيتها، والله سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل.