د. محمد عبدالله الخازم
يلاحظ تأسيس الأكاديميات من قبل الهيئات والمنظمات الحكومية المختلفة، فما هو تعريفها ومبررات تأسيسها؟ الأكاديمية، في أقرب توصيف لها، عبارة عن مؤسسة أو برنامج تدريبي تخصصي في مجال واحد أو مجالات محددة، في الغالب لا تتجاوز مدتها العام الواحد، وتمنح شهادات تدريبية مثل الدبلوم أو شهادة الإكمال وليس شهادة أكاديمية، وقد تكون تدريباً مهنياً/ تطبيقياً أساسياً أو متقدماً، وفق اشتراطات مدخلاتها.
الجامعة أو الكلية في الجانب الآخر، تحوي برامج متعددة ومتنوعة عبر درجات أكاديمية مثل البكالوريوس والدراسات العليا، وتقدم بعضها التدريب التطبيقي عبر كلياتها التطبيقية أو برامج التعليم المستمر وخدمة المجتمع. الجامعات مهامها أوسع في تقديم البحوث والدراسات وتكوين مجتمعها وخدمة المجتمع وتنمية مواردها الذاتية، إلخ. كما أن مهامها تتجاوز التدريب على استخدام آلة واحدة إلى تطوير المعرفة ذات العلاقة بالمجال أو المعرفة العامة والقدرات البحثية والفكرية والجدالية وغير ذلك مما يسهم في صقل شخصية الإنسان وقيمه ومعرفته وهويته...
الهدف من تأسيس الأكاديمية - التابعة للهيئة أو الوزارة أو المؤسسة- هو تقديم برامج تطبيقية ومهارية ضمن الاهتمام بالتدريب والتطوير المهني لمنسوبي المنظمة أو موظفيها المحتملين، وتربط مدخلاتها - في الغالب- بتوظيف الملتحقين بها أو تطوير من هم على رأس العمل. هي ليست تجارية وليست بديلاً للتأسيس العلمي الأساسي بقدر ماهي مخصصة لتعليم وتدريب مهارات محددة يحكمها احتياج القطاع/ المنظمة بالدرجة الأولى. ولدى البعض هي بديل لأقسام التدريب والتطوير المهني.
لا نركز على القطاع الخاص فله حساباته، فحتى ماكدونالدز لديها أكاديميتها التدريبية، جامعة الهمبروجر. نذكر بتجارب حكومية سابقة، مع اختلاف المسميات؛ هناك جهات بتحويل أكاديميتها إلى برامج جامعية مثل ما فعلت الشؤون الصحية في الحرس الوطني، وهناك جهات كانت لديها كليات ومعاهد مثل وزارات الصحة والتعليم بكلياتها ومعاهدها. أسست بغرض خدمة قطاعاتها تدريبياً، لكنها تضخمت وتوجهت للتعليم على حساب التدريب وبعد ثبوت تواضع مخرجاتها وضعف حوكمتها وكلفتها الاقتصادية، تم إلغاؤها أو إلحاقها بالجامعات. دائماً، المعاناة أصعب في إلغاء/ دمج الكيانات الإدارية، حيث استغرق الأمر أكثر من عشر سنوات لهيكلة القطاع ودمج الكليات الصحية والتعليمية في الجامعات. نحن بحاجة إلى التدريب على رأس العمل، لكن ليس بالضرورة عبر خلق كيانات إدارية جديدة، أكاديميات. لدينا ما يفيض من الجامعات والكليات ولسنا بحاجة إلى المزيد منها، بقدر ما نحتاج دعمها ومشاركتها في التطوير الذي يحقق احتياجاتنا.
أقدّر حماس البعض واعتقاده بأنه أعرف باحتياجاته التدريبية ولديه الإمكانات والتمكين الإداري والمالي لتأسيس أكاديمية، بكوادرها ومقراتها وتجهيزاتها، لكن هناك جانباً آخر يجب التفكير فيه، ألا وهو الاستدامة. مثلاً، قد تحتاج - كهيئة أو منظمة حديثة- تدريب 100 موظف جديد في مهارة محددة، لكن هل تحتاج ذات العدد بعد خمس او عشر سنوات؟ هل تقفل الأكاديمية حينها وقد أصبحت كياناً ضخماً، أم تتنازل عن أهدافك ومبرراتك الاساسية، بالتحول إلى مؤسسة تعليمية تجارية.
نذكر بالتعريف؛ الأكاديمية تقدم برنامج أو برامج تدريبية تطبيقية محدودة لموظفي المؤسسة أو القطاع لا تزيد عن عام وفي مجالات محددة. لا يتساوى الجميع في الحاجة لها، فالقطاعات الأمنية - مثلاً- بحاجة مستمرة للتدريب ذي الطبيعة الخاصة وقد يكون ذلك عن طريق أكاديميات. نقترح تعريف وتحديد المفاهيم حول الأكاديميات؛ حوكمتها، جدواها العلمية والاقتصادية، استدامتها، مرجعيتها المهنية وتكاملها مع المؤسسات التعليمية والتدريبية القائمة.