د.محمد سليم
لما أحرز الشاب السعودي محمد القحطاني الجائزة الأولى في المسابقة الدولية المعقودة في عام 2015 في مدينة لاس فيغاس الأمريكية، ليتوج بطل العالم في فن الخطابة أو ما يعرف بـ»التوستماسترز»، فما كان من ذلك إلا أن أبهر الجميع، وانتشر مقطع كلامه على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل واسع يظهر فيه الشاب وهو يتحدث عن «قوة الكلمة» في إنجاح الشخصيات أو إفشالها ما يشير إلى فرق هائل بين موقف يتبناه تربويون وآباء ومعلمون تجاه الآخرين إزاء عمل يقومون به أو شغل يشغلونه فيشجعونهم عليه، ويأخذون بأيديهم، ومن ثم يوجهونهم صوب طريق النجاح والنشاط، وبين موقف يختاره البعض منهم فيحشرون أنوفهم في كل ما يقوم به الآخرون ويسعون إلى إفشال مخططهم وتثبيطهم في عملهم.
شاهدت المقطع الأصلي بالإنجليزية مرارا لعدة أوجه، أولا: من أجل انبهاري بشاب عربي سعودي يتحدث لغة أجنبية بطلاقة مذهلة وليس فقط يتكلمها بل يناقش بها ويناظر فيها ويبز الآخرين فيحصد المركز الأول من بين 100 متسابق دولي في قاعة مكتظة بالحضور المتحدثين بالإنجليزية، وثانيا: نزولا عند رغبتي في استيعاب محتوى الكلام والرسالة المتضمنة فيه فبدا لي ذا قيمة مبهرة على المستوى الفردي والجماعي، فالمجتمعات التي تقدّر قيم التفوق والإتقان تفوق شقيقاتها من المجتمعات التي لا يروق لأفرادها التقدير والنقد البناء، وثالثا: فرط إعجابي بمستوى التعقل لدى القائمين على ذلك البرنامج الشيق والذين يعقدون المسابقات في مواضيع مهمة ترتبط بالحياة حيث أن رسالة الكلام تردد صداها بالقاعة وسيبقى صداها مترددا في وجدان الناس للأبد.
عدت مرة أخرى فشاهدت المقطع وقارنت بين الرسالة المتضمنة به وبين حديث شخص اتصل بي قبل أيام ليعيبني على شيء وجدته غريبا، ألفيته يُبدي رأيه متهمكا ومستخفا بقيمة مقالاتي المتواضعة المنشورة في هذه الجريدة والجرائد العربية الأخرى فلم ألق لكلامه بالا، ورميته عرض الحائط، وعقدت العزم على بذل مساع أكبر ومضاعفة جهودي لإنتاج المزيد من العمل الإبداعي والعلمي، وأنا على وعي بأن العربية إن لم تكن لغتي الأم، إلا أنها لغة قريبة إلى قلبي ووجداني، فبذلت جهودا مضنية في سبيل تعلمها، وها هي مقالاتي المتواضعة أتت ردا للجميل الذي أسدته إلي، ومن هنا لن تنفع معي كلمات معيبة أو مشينة تتقاذفها الأفواه، أو تلوكها الألسن، فالحياة التي نحن مقبلون عليها واسعة، ورحمة ربنا وسعت كل شيء، ونحن نقاس في حياتنا بمدى تفوقتا في المجال الذي نشتغل به، فكم من رجال نراهم يشتغلون بمجال معين مدى حياتهم غير أن ذلك لم يحدث فارقا في حياتهم ومجال عملهم، لم ينتجوا ولو نزرا يسيرا من العمل العلمي القيم، وينصب جل اهتمامهم على عيب الآخرين ولومهم، يحفظنا الله وإياكم من كل سوء يصيبنا أو يجرحنا.
والزمن شاهد على أن من تجاهل لومة المغرضين ومضى لسبيله ينال ما يطمح إليه على رغم أنوف المحبطين المتشككين، فحري بالمرء ألا يخاف لومة لائم في أمر يستحسنه فلا يكف عنه مهما عابه القاعدون عن خوض غمار الإبداع والإنتاج، ففيه الحياة يا أولي الألباب.
وبالمناسبة أقول إن الشاب السعودي المذكور أعلاه لم ينطق - حسب تصريحه- بأول كلمة في حياته إلا قد بلغ السادسة من عمره. ومن كان يظن وقتئذ أن الطفل المصاب بالتأتأة في عهد طفولته قد يتغلب عليه ويصنع المستحيل فيفوز بعد ثلاثين سنة بالمركز الأول في المسابقة الدولية بقوة كلمته. وعلمنا من حديثه أيضا أنه وجد البعض الذين ساعدوه في فترة استعداده بدلا من الاستخفاف به وبجهوده، فهنيئا له ولمساعديه على هذا الإنجاز المبهر!
** **
- باحث وأكاديمي هندي مقيم في نيو دلهي