د.عبدالله بن موسى الطاير
الانتخابات الرئاسية الأمريكية تواصل تقديم الدروس السياسية بالمجان، ورمالها المتحركة تعيد تشكيل التحالفات والمواقف بناءً على المصالح لا المبادئ. الحزب الجمهوري لم يكن موحداً حول ترشيح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، واستطاع الأخير ومع مرور الوقت إحكام قبضته على قرار الحزب، الذي توحد في مؤتمره العام خلف مرشحه بعد أيام من محاولة الاغتيال التي تعرض لها ترامب. على النقيض، بدأ الديموقراطيون موحدين يدعمون فترة ثانية للرئيس جو بايدن، ومع الوقت، وبخاصة بعد المناظرة التلفزيونية مع منافسه الجمهوري بدأ الحزب ينفضّ من حول الرئيس بايدن، وخرجت للعلن أصوات عالية من المشرعين والمؤثرين وداعمي الحزب، تطالب الرئيس بإفساح المجال لمرشح آخر.
مرشح الحزب الجمهوري لمنصب نائب الرئيس له مواقف معلنة ضد الرئيس ترامب، لحد وصف من يصوتون له بالأغبياء، وتشبيهه بهتلر، وهو اليوم في معسكره، والرجل الثاني في ورقة الجمهوريين للبيت الأبيض. وكما خاضت نيكي هيلي منافسة شرسة مع ترامب، ورمته بأقذع الأوصاف، اعتلت المنصة في مدينة ميلواكي حيث عقد الحزب مؤتمره العام لتقول في ترامب ما لم يقله مالك في الخمر، وعينها على منصب وزير الخارجية فيما لو فاز ترامب بالرئاسة.
إذا كان الحزب الجمهوري قد حسم قراره خلف مرشح رئاسي ونائبه فإن الحزب الديموقراطي تشظى مع الوقت، وإلى أن يحين موعد مؤتمره العام الشهر القادم سيكون هناك المزيد من الانقسامات، والتباعد بين الناخبين والحزب عموماً ومرشحه خاصة.
ليس العالم في أحسن حالاته، وقرار أمريكا معلق حتى العشرين من يناير 2025م، والخطاب الإعلامي والسياسي المصاحب للحملات الانتخابية يغذي مشاعر الخوف والقلق من خروج هذا الجموح الدامي في شرق أوروبا والشرق الأوسط عن السيطرة، والدخول في حرب كونية ثالثة أشار إليها الرئيس ترامب في خطابه أمام مؤتمر الحزب، بل حذّر من ويل قد اقترب فيما لو اندلعت هذه الحرب بسبب أسلحة الدمار الشامل التي لا تبقي ولا تذر.
في أوقات الأزمات أو عدم اليقين، يتعلق الناس بشخصية يمكنها تقديم الأمل والحماية، ويمكن استغلال هذه الثغرة الأمنية من خلال تقديم القائد كمنقذ، حتى لو كانت أفعاله ونواياه موضع شك. المرشحان الجمهوريان دونالد ترمب وجي دي فانس يستندان إلى سمات شخصية ينشدها رجل الشارع الأمريكي مثل القوة، والكاريزما، والقدرة على الحسم، ويقدمان ما يحتاج إليه المواطن الأمريكي الذي أنهكه التخويف، وبات مستعداً للتعلق بمن يضمن له الأمن وعلى استعداد أن يهبه في المقابل الولاء والإخلاص، حتى في غياب الإنجازات الملموسة أو السلوك الأخلاقي. هذا العامل المهم غائب حتى الآن عن أجندة الحزب الديموقراطي، فالمرشح الحالي يضيف إلى مخاوف الأمريكيين وحالة عدم اليقين عبء التفكير في مدى قدرته المرشح على إدارة البلاد في هذه الظروف الصعبة، مع إلحاح سؤال العمر والقدرات العقلية والجسمانية.
الخوف من المجهول في الأوقات المضطربة، يجعل الناس تتشبث بقائد قوي يتقون به المجهول، ويعبرون من خلال اختياره عن الرغبة في الأمن والاستقرار، ولدى الناس رغبة طبيعية في أن يكونوا جزءاً من مجموعة أو حركة متماسكة كما هو الحال في الحزب الجمهوري حالياً، ويمكن للقائد الكاريزمي كترامب ونائبه أن يوفرا هذا الشعور بالانتماء. المشكلات الأمريكية ذات المساس بالأمن والاقتصاد والهجرة مؤلمة، وترامب يقدم حلولاً بسيطة وجذابة، وقريبة من إفهام عامة الناس، حتى لو كانت تلك الحلول غير واقعية أو خطيرة.
يبقى السؤال مطروحاً: هل مشاعر التعاطف التي اجتمعت حول ترامب بعد محاولة الاغتيال كافية لتنصيبه رئيساً استثنائياً للولايات المتحدة الأمريكية في فترة ثانية غير متصلة بالأولى؟ أم أن هذا الفوز من عدمه معلق بقدرة الحزب الديموقراطي على التصرف السريع والظهور موحداً خلف مرشح قادر على هزيمة المرشح الجمهوري؟ ثلاثة أشهر ونيف قادرة على إحداث الكثير من المفاجآت والتحولات.