د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
بدأت المملكة بتنفيذ إصلاحات جوهرية وعميقة انطلاقا من هويتها الدينية والاجتماعية والثقافية، وانتقلت للاقتصاد والسياسة والتعليم، إصلاحات شاملة شملت القطاعات جميعها العام والخاص، وإصلاحات قانونية وثقافية تعزز من حضور جميع الفئات الاجتماعية في الحياة العامة ولا سيما النساء والفئات الشابة، وخلقت فرصا استثمارية جديدة لم تكن موجودة من قبل زاد من حضورها ومشاركتها العالمية.
ركزت الرؤية الاقتصادية في السعودية على 5 محاور رئيسية تتمثل في الاستراتيجية، والحوكمة، ورأس المال البشري، والبنية التحتية، والاستثمار، خصوصا أن السعودية ومناطقها تحظى بإمكانات ومزايا عالية لدعم نمو الناتج المحلي الإجمالي.
تتمثل الاستراتيجية في مواءمة الاستراتيجيات المناطقية مع الأولويات الوطنية وتعظيم الاستفادة من المزايا النسبية والتنافسية للمناطق، وتطبيق مبادئ التنمية المستدامة، بينما الحوكمة تمكن من ضمان مشاركة جميع الجهات ذات العلاقة لتيسير سرعة الإنجاز وبأعلى جودة.
اهتمت الدولة بالاستثمار في رأس المال البشري اهتماما بالغا في تطوير وصقل المهارات، بل السعودية تزيد من جاهزية الكوادر البشرية لمواجهة متغيرات أسواق العمل، بل هدفها رفع تنافسية المواطنين دوليا، من خلال التركيز على الجودة في التعليم الجامعي والتدريب التقني، وإتاحة فرص التعليم المستمر مدى الحياة لتهيئة المستفيدين بجميع المتغيرات المستقبلية، واتجهت الدولة إلى عقد مبادرة القدرات البشرية تحت عنوان «تنمية قدراتنا لغد مشرق»، بالتزامن مع انعقاد اليوم العالمي لمهارات الشباب في 16/7/2024 في الرياض.
كما شهدت الرياض في انعقاد مؤتمر مبادرة القدرات البشرية في فبراير الماضي لمناقشة التحديات والفرص لتطوير المنظومة في ظل المتغيرات العالمية، واستضافت صناع السياسات وقادة الفكر والمستثمرين ورواد الأعمال على المستوى الدولي، ولم تتوقف الدولة عند هذا الحد بل ابتعثت أكثر من 10 آلاف طالب وطالبة في أفضل 200 جامعة حول العالم، منهم ما يزيد على ألفي طالب في أفضل 30 جامعة دولية في تخصصات يتطلبها سوق العمل، بجانب تدريب مليون مستفيد بالشراكة بين القطاعين العام والخاص.
بينما محور البنية التحتية يطور سبل اتباع نهج متكامل والنظر في آليات التمويل، وتعد البنية التحتية أحد أكبر القطاعات التي لا زالت تنمو باستمرار في السعودية مدعومة بمشاريع عملاقة مثل نيوم والقدية والبحر الأحمر، بالإضافة إلى مشاريع الإسكان بتكلفة أكثر من تريليون دولار، وهي في المركز الرابع ضمن دول الـ20 في البنية التحتية للطرق الذي يشهد حراكا كبيرا.
وأبرز الدور الحيوي للاستثمار في تسهيل مشاركة القطاع الخاص من خلال إنشاء وحدات متخصصة لجذب الاستثمارات والترويج الاستراتيجي للفرص الاستثمارية، وتوفير الخدمات والتسهيلات للمستثمرين إلى جانب التعاون مع الجهات القائمة مثل صندوق الاستثمارات العامة في تحفيز النمو، وقد حقق صندوق الاستثمارات العامة زيادة في الإيرادات بنسبة 100 في المائة إلى 88.5 مليار دولار خلال عام 2023 وعزز من نمو القيمة السوقية لمحفظته في ظل ارتفاع أداء برنامج تطوير الصناعات الوطنية بنسبة 87 في المائة، كما أن صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي في الربع الأول في من عام 2024 ارتفع بنسبة 5.6 في المائة إلى 9.5 مليار دولار، لكنه لم يصل إلى مستهدفات وزارة الاستثمار.
تسارع النمو بشكل خاص في قطاعات حيوية مثل الطاقة والصناعة والتعدين والخدمات اللوجستية كان له أثر واضح في النهضة التنموية الشاملة الذي يمكنها من أن تصبح من أكبر 15 اقتصادا في العالم، ويتطلب تحقيق ذلك وصول الناتج المحلي الإجمالي للسعودية إلى 6.4 تريليون ريال ارتفاعا من 4.003 تريليون ريال في 2023، وحققت الأنشطة غير النفطية 50 في المائة من الناتج المحلي الحقيقي في 2023 نتيجة ارتفاع الاستثمارات غير الحكومية إلى 959 مليار ريال، وزيادة الاستثمار المحلي الإجمالي في تكوين رأس المال الثابت بأكثر من الضعفين ليصل إلى 1.65 تريليون ريال، ورفع صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بأقصى حد ممكن.
** **
- أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية بجامعة أم القرى سابقاً