سهوب بغدادي
أرغب، بادئ ذي بدء، بالتأكيد على أنني لست بجائعة، وأعرج من هنا على الطبخ، حيث يعد الطبخ على نار هادئة الأزكى والألذ طعمًا، ففي عصرنا الحالي الذي يتسم بالسرعة والنتائج الفورية، يجد العديد من الأشخاص صعوبةً في الانتظار، قد تكون العملية بشكل عام غير محببة للبعض، سواء كان الانتظار لتحقيق هدفٍ ما، أم لحصول شيء مرغوب، أو بكل بساطة أمنية يرجو نيلها، بلا ريب، إنه الانتظار المحمود! لو سرعنا من عملية الطبخ، فما الذي سيحل بالطبخة؟
إن كل المراحل والخطوات التي مررت بها هيأتك للنتيجة والمطلوب، فقد تكون تلك الخطوات مجرد أسباب لتصل إلى المراد، إذ يستثقل الشخص المدة المعلومة أو غير المعلومة والعملية ككل، وذلك أمر مفهوم، فيما يعد الطبخ على نار هادئة جميل وإيجابي؛ لأنك ستتمكن من عمل أمور عديدة في ذات الوقت أو إنجاز مهمة تلو الأخرى، على سبيل المثال لا الحصر: تقطيع السلطة، وإعداد مائدة الطعام، وتزيين الطبق، وإعداد أطباق جانبية ومقبلات ريثما ينضج الطبق الرئيس ستكون لديك مائدة عامرة بما لذ وطاب، فهذه هي حياتنا وتلك أهدافنا، عندما تقلق وتتعلق بتحقيق النتيجة فقط، ستضيع على نفسك لذة الوصول وتفرد الطريق إلى الهدف، فما الفائدة من التمركز أمام النار وعدم التزحزح من حر لهيبها طوال المدة؟ ما أجمل أن تنجز مهام أخرى أو أن تستمتع بلحظات هادئة أو ببساطة أن تتمعن في جمال المنظر الذي يحيط بك، من أهل وأطفال وأصدقاء وما إلى ذلك، لتعود بعد ذلك وتجدها تنتظرك عوضًا عن انتظارك لها، لدينا في الحجاز مصطلح «الكدادة» بضم الكاف، أو ما يطلق عليها في أنحاء مختلفة من المملكة ودول الخليج «حكاكة» إذ تعكس الظروف التي مرت بها الطبخة، وكذلك تمثل الظروف الصعبة في حياة كل شخص جروحًا مرئية وأخرى خفية، وبالرغم من ذلك، فإنها تعد ألذ ما في الطبخة وخلاصتها، في الختام، أتمنى ألا أكون قد تسببت بتضوركم من الجوع، وآمل أن نُثبط جميعًا شهيتنا القارسة ونهمنا للسرعة والنتائج اللحظية التي قد تحرق الطبخة أو تتركها نيئة وغير صالحة.
«إن كان ما تدري ولدك يدري لذيذ الطعام بحكاكة القدري»