علي الخزيم
144 مليار ريال سعودي حَوَّلها الوافدون العاملون بالمملكة في 2023 لحساباتهم بالخارج أو لذويهم ببلادهم؛ فاحتلّت المملكة المركز الثاني عربياً بهذه التحويلات والمركز الثالث عالمياً؛ وهذا بكل وضوح رقم ضخم لافت يبرهن على أهمية سوق العمل السعودي وما يُدره من أرباح ومُدَّخرات للعاملين هنا؛ وأنه مطلب ووجهة للباحثين عن فرص العمل ببيئة ممتازة وما يصاحبها من أمن واستقرار وعدل، ويجدر التنويه بأن دول الخليج العربية لا تقل شأناً بهذا المجال.
- لا يعني التذكير بهذه الأرقام الكبيرة المِنَّة أو الاستعلاء تجاه الإخوة والأشقاء الوافدين بيننا؛ إلَّا أنها إحصاءات تصدر من جهات رسمية محلية ودولية، وما يعنينا هنا يكون بمحيط علاقتنا بالأحبة الوافدين الذين يعيشون بيننا، ونُكن لهم الاحترام والتقدير ونثمن جهودهم وإن كانت بمقابل مُجزٍ أقرته عقود مُرضِية، فلا مِنَّة لطرف على الآخر، إنما هو تبادل منافع تتاح بحسب قوانين وأنظمة مَرعِية.
- التبسيط والتبيين بالفقرة السابقة ليس لشرح أمر مُبهم؛ بل للتأكيد على أن الأمور واضحة لا لبس فيها بين العامل وصاحب العمل، وأن الموظف والعامل الوافد من أي طبقة كان هو الباحث بالأصل عن فرصة عمل مُشرفة ومناسبة له هنا، وأنه قد فضَّل واختار بلادنا عن بلاد غيرها كان يجد لديها بعض الفرص فكان اتجاه نظره لبلادنا وجاء باختياره ورغبته، ثم تأتي نقطة يَحسُن تسليط الضوء عليها وهي مُرتكز هذه الأسطر.
- فقد تكرر ظهور تدوينات وتغريدات غير لائقة على وسائل التواصل الاجتماعي وتتضمن صوراً مسيئة للمملكة وبعض دول الخليج العربي يبثها بعض الوافدين إلينا؛ يُقصد منها التقليل من شأن شعوب المنطقة واللمز بأنهم (بدو وأقوام متخلفون)، ويتبجحون بأن لهم الفضل بتَطَورنا، وأننا لا نستغني عن مهاراتهم! وكلنا نعلم بأن أحدهم لو وجَد توظيفاً (لقدراته المزعومة) ببلاده لَمَا قدم إلينا، وتقول النظريات حول مثل تلك السلوكيات بأن بعض الجِياع حين يُتخمون بالنّعم تبرز علامات اللؤم والطغيان على تصرفاتهم.
- لو تأملت مستويات (أولئك المستهزئين) فكرياً ومهنياً لوجدت أولاً: إنهم أقل مِنْ أن يُؤبَه لقولهم وتُرهاتهم؛ وثانياً: حين تعيد التفكر بأحوال كثير من البلاد التي قدموا منها معيشياً وتقدماً حضارياً لأدركت أنها - وبنسب متفاوتة - تعاني من التأخر؛ بل ربما بعضها يرتكس تحت وطأة التخلف عن ركب الحضارة الحديثة لأسباب قد لا تكون خفية عليهم وعلى غيرهم، لكنه الجهل أو التَّعَامي المَشُوب بالغطرسة الممزوج بالحسد ثم نكران المعروف والجميل؛ وللتذكير فإن ملايين مِمَّن عملوا ببلادنا على مدى عقود من الزمن وهم من دول متحضرة لم يصدر عنهم ولو كلمة نابية أو مِنَّة بذلك تجاه المملكة.
- تاريخنا يؤكد أن بداوتنا لم تكن عائقا عن اكتسابنا مكارم الأخلاق والفروسية والإقدام والمروءة والكرم والسجايا الحميدة كافة دون حاجة لتأكيدها بتعدادها؛ وهذا ما كان يتغنَّى به شعراؤنا منذ القدم مُضمّنين معلقاتهم وكل قصائدهم بِحِكم وإضاءات وحقائق ناصعة لواقعهم العريق المُشرّف، ومنذ ذاك؛ وبعد بزوغ نور الإسلام ما زلنا نفخر ببداوتنا وأصالتنا؛ ولا نبالي بهرطقات المغرضين.