محمد عبدالله العتيبي
نسمع بين الحين والآخر مثل هذه العبارة في العنوان، وغيرها من العبارات (فلان شخص اجتماعي) و(فلان يعرف يدخل مع الناس ويعرف يتكلم معهم) و(فلان علاقاته كثيرة).. إلخ ؟! الحقيقة كلنا نريد أن نكون ذلك الشخص ويكون عندنا قبول لتحقيق أهدافنا، ولتكون حياتنا أفضل مما هي عليه، صحيح أن هذا الشخص قد يعرف الناس ولديه القدرة لبناء علاقات معهم وتنجح أموره كما يريد، ولكن أنماط البشر تختلف، وربما هذا الشخص يفتقد للحس الإنساني وحسن التعامل، نتفق جميعاً بأن تبادل المصالح والمنافع أمر طبيعي، ولكن هناك أشخاص نفعيين بشكل كبير ومبالغ فيه، همهم فقط مصالحهم بالدرجة الأولى حتى لو تجاوزوا كل الخطوط والمبادئ والقيم، ربما هناك من ليس لديه مانع من التعامل معهم، وهنالك في الجانب الآخر آخرون لايستطيعون تقبلهم ولايفضلون التعامل معهم لأن معاييرهم عالية جداً، ويفضلون المحترمين أصحاب الشخصيات اللطيفة ممن يتمتعون بحسن الخلق والتواصل الإنساني الراقي، ولذلك فإن من يفتقدون لمكارم الأخلاق ولين الجانب حتى لو نجحوا في علاقاتهم بنفعية مطلقة فهم لا يزالون يفتقدون لمهارات تجعلهم أصحاب كاريزما وأكثر ذكاءً في التعامل من وضعهم الحالي.
هناك مفهوم أو نظرية «الذكاء المتعدد» كما يذكرها بعض المختصين، فهناك الذكاء الوجداني والذكاء المنطقي والحركي واللغوي والذكاء العلمي والبصري، والذكاء الاجتماعي الذي هو محور حديثنا هنا، فعلى سبيل المثال هناك أشخاص عمليون ولديهم ذكاء علمي وعملي بما يقومون به ومستعد أحدهم أن يجلس في مختبر أو ورشة وقتا طويلا يتجاوز 12 ساعة وأكثر من ذلك يعرف الأدوات والوسائل التي بين يديه، ويعرف طريقة استخدامها، ولكن لو طلبت منهم إظهارها للناس والتعريف بها والتحدث عنها وعما يقومون به من عمل لايستطيعون شرحها وتوصيلها للآخرين ولا التأثير عليهم، ومثلهم أولئك الأشخاص المفوهون الذين يتحدثون أمام الجماهير والحشود الغفيرة ويستطيعون التأثير عليهم بطريقة حديثهم من خلال تنميق اللغة وتزويق الألفاظ والتلاعب بالمفردات، وهي طريقة ربما تكون ذكية في اختيار العبارات لجذبهم، وهذا ذكاء ولكن ليس ذكاء اجتماعياً لأن دائرة التأثير تبقى محدودة ولاتؤثر في شريحة كبيرة من الناس، ومثال آخر لشخصين يعملان في نفس المكان أحدهما مجتهد ويحرق نفسه بشكل كبير وربما عمل فوق طاقته وماهو مطلوب منه، والآخر يعمل بجهد أقل، الأول قد تكون فرص ترقيته ضئيلة جداً وقد تتأخر لوقت طويل، وقد تنعدم، أما الآخر الذي يعمل بأقل مجهود عكسه تماماً فتكون فرص ترقيته في عمله أكبر وأسرع والسبب هو انه استطاع التسويق لنفسه ولمهاراته وللأعمال التي يقوم بها لمديره وللقيادات العليا، وذلك بإبرازها لهم ومن خلال التواصل المكثف بهم بأي وسيلة ممكنة فأصبح مايقوم به واضحاً ومؤثراً بنتائجه.
وهذا هو الذكاء الاجتماعي الذي يتمثل في القدرة على إظهار أفضل ما لديك من مهارات، وقدرات للمجتمع، ولكل دائرة قابلة لأن تؤثر عليها، والقدرة على تحسين علاقاتك وتعاملاتك في البيئات المختلفة بشكل أكثر فاعلية لتستمر، وبحسن إدارة للمواقف بشكل أفضل وبكل هدوء، وغالباً تكون هذه المهارات مكتسبة لتجعلنا ننجح في حياتنا بشكل أسهل وفي وقت أقل، ومن المهارات المهمة والجوانب التي تحدد امتلاكك للذكاء الاجتماعي الحوار الإيجابي الفعال مع الآخرين من خلال الإصغاء لهم ومحاولة فهم مشاعرهم ومايقولون بتعبيرات ولغة جسد صادقة، والتعاطف معهم والقدرة على التعرف على أفكارهم واهتماماتهم دون التعمق في الخصوصيات، والمبادرة بالتفاعل معهم، وقبول الآخر المختلف عنك في كل شيء دون التعصب لرأيك وقناعاتك وماتعتقد دون ضجيج وجدل، وكذلك تحمل المسؤولية وتقبل اللوم عند الخطأ وامتلاكك ثقافة الاعتذار، جميعها عناصر مهمة للذكاء الاجتماعي التي تجعلك تكسب الآخرين وتقترب منهم أكثر، وعكسها يؤدي الى ضعفها، ومما سبق نلاحظ بأن هذه المهارات تعتمد بشكل كبير على الأسس والمحددات التالية: (إدراك المشاعر/ متى تغضب ومتى تفرح ومتى تقلق) (ومن خلال إدارة المشاعر / القدرة على التحكم بها) (والوعي الاجتماعي / فهم حالة الشخص المقابل).
ختاماً فقد لاحظت بأن المبالغة في تفسير المواقف في العلاقات وردات الأفعال تجاهها والمبالغة في التوقعات الإيجابية من الآخرين ليقبلوننا ويحبوننا هي من أهم أسباب حدوث الخذلان المسبب لفقر العلاقات الاجتماعية، وليست من الذكاء الاجتماعي لأنها خرجت من دائرة إدراك وتحليل مايحدث من مواقف وأحداث بشكل متزن ومعتدل وبتغافل أو تجاهل إلى التطرف في فهمها بسوء ظن وبشكل سلبي، مثل أن يدخل أحدهم مجلساً فيلقي التحية على الحضور فيرد عليه هذا، وذاك لايلتفت إليه، وآخر أشغل فكره أمر ما فلم يرد عليه بالشكل المطلوب المتوقع.. إلخ، فحين يكون تفسيره للموقف إيجابياً ويحسن الظن ويلتمس العذر لمن لم يرد التحية فحينها سيستريح ويطمئن وستقوى علاقاته، وحين يكون العكس سيشقى بتأنيب الضمير وصراعاته النفسية وسينفر منه الآخرون وسيعتزلهم وسيحدث شرخاً كبيراً في علاقاته وتعاملاته، ولن يكون ذكياً اجتماعياً بما فيه الكفاية ولن يتمنى الآخرون أن يكونوا مثله.