عبدالوهاب الفايز
أسرة الفهد الصياد وهي تستقبل أعضاء العائلة الجدد في صحراء الجزيرة العربية، تعطينا الفرصة لنفرح بوجود الأمور الايجابية التي تجدد الامل بالحياة.. بالذات في وسط عالم تتدفق فيه صور الخراب والدمار والحروب..
عالم تتآلف فيه الضواري والجوارح مع الطيور والحيوانات الأليفة، بينما عالم الإنسان يعجّ بالمظالم والمذابح!
والأجمل أن تأتي الاخبار المفرحة في بلادنا محملة بمضامين النجاح في الأمور الوجودية: عمارة الأرض، والرحمة بالكائنات التي خلقها الله لتكمل دور الإنسان في تحمل الامانة.
من هذه الأخبار المفرحة، ما وجدناه أمس الثلاثاء في ورشة العمل التي نظمها المركز الوطني السعودي لتنمية الحياة الفطرية لعرض نتائج مشروع الاكثار وإعادة التوطين للحيوانات المنقرضة في الجزيرة العربية.
ومن هذه المشاريع ولادة ثلاثة اناث وذكر واحد من الفهد الصياد، وهذا العمر الجديد للفهود في صحراء بلادنا هو خطوة كبيرة في بدايات مشروع الاكثار الذي أمامه مراحل عديدة، وبحول الله نرى عودة الحياة الفطرية بالأعداد والأنواع التي نتطلع اليها. وهذه الولادة تأتي بعد مرور عام إعلان المركز عن خططه لإعادة توطين الفهد الصياد في موطنه الذي عاش فيه لآلاف السنين قبل انقراضه نتيجة الصيد الجائر، والتصحر، وافتقاده لموائله الطبيعية بسبب توسع مساحة النشاط الإنساني، وانخفاض أعداد الفرائس التي يتغذى عليها.
وأيضا تأتي بعد سنة من اكتشاف 17 مومياء طبيعية للفهد الصياد في دحول تقع شمال المملكة. فقد اصبح هذا الاكتشاف نقطة البداية لمشروع إعادة توطين الفهد الصياد في المملكة. الهدف من البرنامج هو إعادة الفهد الصياد للبرية في شبه الجزيرة العربية، لإستعادة دوره في التوازن البيئي.
هذا المشروع لاعادة الفهد الصياد يتجاوز في تطلعاته ومستهدفاته ولادة جراء جديدة في صحراء بلادنا وسهولها وجبالها، هو مشروع ضمن حملة متكاملة تهدف من خلالها بلادنا إلى إعادة التوازن البيئي والمساهمة في الحفاظ على الحياة الفطرية من الزوال وإنقاذ الحيوانات المهددة بالانقراض، ومنها النمر العربي والمها العربي والوعل الجبلي، وهذه نجحنا في تأمينها وزيادة أعدادها.
مشاريع الإكثار لها أهدافها الكبيرة التي تتجاوز ولادة بضعة جراء جديدة. نجاح مشاريع الإكثار واستدامتها يخدم مبادرتنا النوعية الجريئة (السعودية الخضراء) التي هدفها الأساسي الاهتمام بالبيئة والمساهمة في توفير الموائل الطبيعية الضرورية للعديد من الأنواع النباتية والحيوانية، وضمان الازدهار المستمر للبشرية دون أي تعارض مع الطبيعة أو التأثير عليها.
العلماء والمختصون هم أول من يثمن الإكثار وإعادة إدخال الحيوانات المفترسة الى النظام البيئي، لمعرفتهم العلمية باهميته لإستعادة التوازن البيئي من خلال التحكم في أعداد أنواع الفرائس. فالإكثار المدروس يمنع الرعي الجائر أوالتكاثر لأنواع معينة من الحيونات، مما قد يكون له آثار سلبية على الغطاء النباتي والحيوانات الأخرى في النظام البيئي.
ظهور الحيوانات المفترسة يؤدي أيضا إلى استعادة العمليات الطبيعية التي تعطلت بسبب الأنشطة البشرية، التي حدت اوألغت النمو الطبيعي للحيوانات المفترسة. وكذلك يؤدي إعادة المفترسات إلى جذب السياح وتعزيز الاقتصادات المحلية بالذات داخل المحميات.
طبعا مشاريعنا الناجحة لاعادة إدخال الحيوانات المفترسة تطلبت جهودا علمية ومساهمات خبراء محليين وعالميين للاستفادة من تجارب الدول في إعادة التوطين للحياة الفطرية. وهذا ما توفر للتجربة السعودية في نقلتها النوعية الجديدة. لقد تم العمل على عدة محاور، مثل استقطاب الخبرة والمعرفة العلمية، والحرص على مشاركة المجتمع، مع توفير استراتيجيات الإدارة الفعالة. ونجاح جهود إعادة التوطين تحققت أيضا بعد توافر الموائل المناسبة، وتوافر الفرائس، وتهيئة التفاعلات بين الحيوانات المفترسة والأنواع الأخرى في النظام البيئي.
استمرار قصص النجاح في منظومة الحياة الفطرية مازالت امامها تحقيق الكثير من المستهدفات التي تضمن نجاحها. وتحقيق الأهداف التي نتطلع اليها تتطلب مواجهة تحديات قائمة. أمامنا تحدي التعليم والتوعية، لإبراز أهمية إعادة إدخال الحيوانات المفترسة والفوائد البيئية التي يمكن أن تجلبها. نحتاج رفع مستوى الوعي لتبديد الخرافات والمفاهيم الخاطئة المحيطة بالحيوانات المفترسة لضمان جهود إعادة التوطين.
نحتاج التعاون والتشارك الخلاق بين مؤسسات التشريع والتنظيم وصنع القرار والتخطيط المتعلقة بإعادة إدخال الحيوانات المفترسة، وبين المنظمات العلمية والأهلية المهتمة بالمنظومة لانجاح جهود إعادة التوطين. وكذلك نحتاج جودة مساهمة العاملين في جميع المحميات لإعتماد ممارسات مستدامة لاستخدام الأراضي وتقليل تدمير الموائل وتعزز التعايش مع الحيوانات المفترسة.
أيضا من التحديات ضرورة تنفيذ تدابير فعالة لحماية الماشية والحيوانات الأليفة من الافتراس. وقد يشمل ذلك استخدام وسائل ردع غير مميتة، أو تحسين المسيجات، أواستخدام حيوانات حراسة الماشية. مع المساهمة في المراقبة والإبلاغ عن مشاهدات الحيوانات المفترسة وسلوكها وتفاعلاتها. تعتبر هذه المعلومات ذات قيمة للباحثين ودعاة الحفاظ على البيئة لتقييم التقدم المحرز وتأثير جهود إعادة الإدخال وإجراء التعديلات اللازمة.
الإيجابي أن المنجزات المتوالية في منظومة البيئة تواكب، بل تسبق، الجهود المطلوبة على الصعيد العالمي. الدول تعهدت بحماية وبإصلاح مليار هكتار، أي ما يعادل مساحة الصين، من خلال حماية 30 % من الأراضي والبحار. والهدف هو تدارك الحد من تدهور الطبيعة وإصلاح 30 % من النظم الإيكولوجية المتدهورة في الأرض. في المملكة ولتحقيق أهداف حماية الطبيعة المستهدفة في برامج الروية حقققنا حماية أكثر من 18 في المائة من مساحتنا، بعد أن كانت 4 في المائة. كما رفعناعدد المنتزهات الوطنية إلى أكثر من 400 منتزه بعد أن كانت 19 منتزها.
نجاح الإنسان في كوكبنا لحماية مخلوقات الله الضعيفة، ألا تجعلنا هذه المنجزات نتفاعل بالحياة، وبقدرة الإنسان على بناء مقومات التعايش بين البشر؟. نعم هي نسمة عليلة في جو لاهب!