إبراهيم بن سعد الماجد
الشنفرى شاعر جاهلي من الصعاليك اسمه ثابت بن أوس الأزْدي- ت. 525م، عاش ونشأ في بني سلامان الذين أسروه وهو طفل، فلما عرف ذلك حلف أن يقتل منهم مائة رجل، ولكنه مات مقتولاً من قبل أحدهم.
ضرب به المثل: أعدى من الشنفرى- لسرعة عدْوه، وهو صاحب لامية العرب التي مطلعها:
أَقِيمُوا بَنِي أُمِّي صُدُورَ مَطِيِّكُمْ
فَإنِّي إلى قَوْمٍ سِوَاكُمْ لَأَمْيَلُ
والتي قال عنها عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «علموا أولادكم لامية العرب، إنها تفتح الأشداق، وتعلّم مكارم الأخلاق.
مشكلة الكثير من الناس، كباراً وصغاراً، يعتقدون أن الانصهار في ثقافات وسلوكيات الأمم المسماة بالمتقدمة، ضرورة للحاق بهم في علومهم وتقنيتهم وحضارتهم المادية! وهذا بالطبع تصور خاطيء، ولعل المتابع لسير الكثير من العلماء في كافة الفنون رجالاً ونساء يلحظ أن الاعتزاز بأخلاقنا كمسلمين، والتمسك بهويتنا العربية لم يكن عائقاً في نيل أعلى المراكز الوظيفية وأهمها، سواء في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، أو في الدول الغربية التي تقدر العلم لذاته، وتحترم من يحترم نفسه، ويعتز بهويته.
إن ذوبان الهوية بكافة أشكالها، الشكلية واللغوية والسلوكية ما كان يوماً رافعا من قيمة الإنسان ومعلي من مقام أمته، بل العكس هو الصحيح، ولنا عبرة في المجتمع الياباني وكذلك الصيني، اللذين عُرفا باعتزازهم بهويتهم، ونحن أصحاب الهوية الأعظم والأصح، يخجل - بعضنا - من إظهارها!
مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، التي هي من صميم الاعتزاز بالهوية اللغوية، تؤكد على أن من حفظ لامية العرب وتعلمها، وأقول: حتى مادونها من قصائد ذات دلالات في الفصاحة ومكارم الأخلاق تجعل من الشاب ذي شخصية واثقة يقتحم المنتديات، ويخاطب المقامات بكل ثقة واعتزاز، كما أن من يحفظ ويفهم معاني مثل لامية العرب سيكون بعيداً عن كل ما من شأنه أن يدنس عرضه، أو يسيء لأهله ومجتمعه.
وَكُلٌّ أَبِيٌّ بَاسِلٌ غَيْرَ أنَّنِي
إذا عَرَضَتْ أُولَى الطَرَائِدِ أبْسَلُ
وَإنْ مُدَّتِ الأيْدِي إلى الزَّادِ لَمْ أكُنْ
بَأَعْجَلِهِمْ إذْ أَجْشَعُ القَوْمِ أَعْجَلُ
وَمَا ذَاكَ إلّا بَسْطَةٌ عَنْ تَفَضُّلٍ
عَلَيْهِمْ وَكَانَ الأَفْضَلَ المُتَفَضِّلُ
انظر في هذه الآداب وما يسمى اليوم بـ(الاتكيت) كيف صاغه في عبارات موجزة بليغة.
إن جمال اللسان ينعكس بشكل جلي على جمال الفِعال، وما كان اللسان يوماً إلا كما يقال مغراف القلوب، فإن كان لسان الفتى أو الفتاة نقياً فصيحاً فهو بلا شك سيغرف من أنقى العبارات التي تحقق له التقدير والاحترام بين الناس، وفي الوقت نفسه لا تحمله أوزاراً مع أوزاره، فلا يقول إلا صدقاً، ولا يكتب إلا حقاً، فينال أعجاب أصحاب الأخلاق الكريمة، والمقامات الرفيعة.
في عالم التواصل الاجتماعي انحطاط أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه - قلّت حياء - وقلّت ذوق، وعدم أحترام للنفس!
ومما يؤسف له أن هذا المنزلق وقع فيه رجل كنا نعدهم من ذوي الشأن، فإذا هم ينزلون بأنفسهم منازل سفهاء الأحلام!
أعود لموضوع هذه المقالة وهو التأكيد على تعليم الناشئة فصاحة اللسان بحفظهم ما كُتب قديماً من أشعار وخطب ذات فصاحة ودلالة اخلاقية، فإن حفظ المفردات الاخلاقية كقول الشنفرى:
أُديمُ مِطَالَ الجُوعِ حتّى أُمِيتَه
وأضْرِبُ عَنْهُ الذِّكْرَ صَفْحًا فأُذْهَلُ
وَأَسْتَفُّ تُرْبَ الأرْضِ كَيْلا يُرَى لَهُ
عَلَيَّ مِنَ الطَّوْلِ امْرُؤٌ مُتَطَوِّلُ
يجعل من الفتى والفتاة يستحضر هذه المعاني كلما خطر له خاطر.