د.شريف بن محمد الأتربي
تلقيت دعوة كريمة للمشاركة في تدشين أكاديمية تجربة العميل، وخلال هذا اليوم تعرفت بصورة أكبر على أهمية التعرف على تجربة العميل ودور المعلومات الناتجة عن ذلك في تحسين المنتج أو الخدمة المقدمة للعميل، سواء للمحافظة عليه، أو لجلب عملاء آخرين.
سرح بي الخيال لأجد نفسي داخل القطاع التعليمي قائدا لواحدة من أهم المبادرات التي تتبناها الوزارة (في خيالي طبعا) وهي مبادرة: المعلمون وخدمة العملاء، فسألت نفسي سؤالا سريعا: وما علاقة المعلمين بخدمة العملاء؟ أليس فيهم ما يكفيهم من أعباء، أم تريد أن تزيد العبء عليهم بخيالك الذي يزعجنا على فترات.
لم أشأ الرد عليها (نفسي المزعجة لي)، ولكني أكملت الغوص في تفكيري لأرى المعلمين أمامي وقد ارتدوا زيا موحدا، ووقفوا على أعمالهم بكل جد وهمة ونشاط، الكل يقدم خدماته، أو يعرض منتجاته لتلاميذه أو زملائه، حتى قيادته، بكل تفاني وصدق، وكأنهم محترفو مبيعات، وأساتذة في خدمة العملاء. ولِمَ لا؟ وهم يلعبون أدواراً متعددة في العملية التعليمية؛ حيث لا يقتصر دورهم على ما يدور داخل جدران الفصل فقط، بل يتعدون ذلك إلى المجتمع كله بصفتهم الرابط الحيوي بين المؤسسة التعليمية والطلبة الذين يدرسونهم من ناحية، وبين الآباء من ناحية أخرى.
في عالمنا الاستهلاكي الكبير يتحول الآباء إلى عملاء للمدرسة التي يدرس بها أبناؤهم، وعلى المعلمين ان يتفهموا ذلك، حيث يجب عليهم أن ينهجوا نفس نهج مسؤولي خدمة العملاء نحو العميل عند التفاعل مع الطلبة وعائلاتهم، حيث يعد هذا النهج الموجه نحو العميل (الآباء، والطلبة) أمرًا بالغ الأهمية في مشهد التعليم الحالي؛ فهم يبحثون عن أفضل تجارب تعليمية ممكنة لتجهيز أبنائهم للانخراط في سوق العمل.
إن بناء وصيانة علاقات قوية مع الطلبة وآبائهم واحدة من أهم خدمات العملاء التعليمية، بل تقع في صميمها، ويتم قياسها من خلال قدرة المعلمين على الاتصال المفتوح، والتعاطف، والاستجابة لأولياء الأمور من خلال فهمم للاحتياجات، والآراء الفريدة لمن يخدمونهم. فمن خلال الاستماع النشط وتقديم الملاحظات في الوقت المناسب، والتعامل مع المخاوف والمخاطر بطريقة استباقية؛ يمكن للمعلمين إرساء الثقة وتنمية شراكة تعاونية بين المدرسة وأولياء الأمور.
تعمل وزارات التعليم على تفريد التعليم، بحيث يتلقى كل طالب التعليم المناسب له، وعلى هذا النهج تسير خدمة المعلمين لعملائهم من خلال فهمهم للاحتياجات الفردية لكل طالب تمامًا كما تسعى الشركات إلى تقديم تجارب شخصية لعملائها، يجب على المعلمين أن يكيفوا طرق التدريس والمواد التعليمية واستراتيجيات الدعم الخاصة بهم لتلبية أنماط التعلم والقدرات المتنوعة الموجودة في فصولهم الدراسية من خلال إظهار التزام حقيقي بنجاح ورفاهية كل طالب، يمكن للمعلمين تعزيز تجربة التعليم الشاملة وتعزيز الإحساس بالانتماء والمشاركة لدى عملائهم من الطلبة.
يلعب المعلمون دورًا حيويًا في صياغة المشهد التعليمي في أبهى حلته، والدفع بقوة نحو التحسين المستمر للعملية التعليمية كلها من خلال تلافي السلبيات التي تم التعرف عليها من خلال طرق التواصل المتعددة بينهم وبين أولياء أمور طلابهم، كما يجب عليهم العمل على تعزيز ونشر الإيجابيات المستقاة من المصدر نفسه أيضا. فبالإضافة إلى تفاعلاتهم المباشرة مع الطلبة وأولياء الأمور، يمثل المعلمون أيضًا خط الدفاع الرئيس عن العملية التعليمية من خلال السماع لمخاوف «عملائهم» ومعالجتها على المستوى المؤسسي.
عندما يقوم المعلمون بدورهم كفريق خدمة العملاء، تتعاظم الفوائد إلى ما أبعد من العلاقة الفردية بين الطالب والمعلم، إلى العلاقة بين المدرسة والمجتمع. فمن خلال تقديم خدمة عملاء استثنائية بشكل ثابت، يمكن للمعلمين نشر ثقافة التميز التي تتمتع بها المدرسة سواء أكان ذلك داخل مجتمع المدرسة أو خارجه من خلال مجتمع الطلبة وأولياء الأمور الراضين والذين يصبحون مدافعين مخلصين عن المدرسة لما لمسوه لديها من تميز، مما يسهم في بناء سمعتها وجذب «عملاء» جدد يبحثون عن تجربة تعليمية عالية الجودة.
عندما يقدم المعلمون خدمة عملاء مميزة للمجتمع التعليمي بشكل خاص، وللمجتمع ككل بشكل عام سيتأثر كافة المعنيين من ذلك وخاصة الطلبة، والذين سيجدون أنفسهم متأثرين بما يقدمه لهم معلموهم مما يرجح أن يحمل الطلبة صفات ومميزات مقدمي خدمات دعم العملاء ويكون له تأثير دائم عليهم أنفسهم. ويجعلهم أكثر استعدادا للانخراط في سوق العمل وفي المجتمع بشكل عام.
يعد دور المعلمين كمقدمي خدمة العملاء أمرًا حيويًا في نظام التعليم الحديث من خلال تعزيز العلاقات القوية وتقديم تجارب شخصية والدفاع عن احتياجات الطلبة، حيث يمكن للمعلمين ليس فقط تعزيز الرحلة التعليمية لطلابهم وأولياء أمورهم، ولكنه سيساهم أيضًا في النجاح الشامل وسمعة المؤسسة التعليمية التي ينتمي إليها هؤلاء المعلمون. مع استمرار تطور التعليم، ستظل خبرة المعلمين في مجال خدمة العملاء أصلاً لا يقدر بثمن في تشكيل مستقبل التعلم وتطوره.