د.م.علي بن محمد القحطاني
تساؤل.. أتمنى أن أجد عليه إجابة، فحسب معلوماتي أن تنظيم سوق العمالة المنزلية مناط باللجنة الوطنية للاستقدام، وهي مشكورة تقوم بالدور المناط بها والمسؤوليات المسندة إليها حتى مناقشة الجهات الرسمية والوكالات المعتمدة في الدول المستهدفة لاستقدام العمالة منها، بل وتوقيع الاتفاقيات أو على الأقل المشاركة في صياغتها، ولكن أخشى أن يكون هناك تضارب في المصالح، أنا لا أشكك في الذمم ولا أدخل في النوايا ولا أتحدث عن أشخاص، وأتمنى وأؤكد ألا تفسر بما يخرجها عن سياقها أو المزايدة على وطنية أعضائها.
وحسبما فهمت من عدة تصاريح لمنسوبي الوزارة حرصها على إشراك القطاع الخاص ليسهم في تحقيق مستهدفات إستراتيجية سوق العمل السعودي، وهذا جيد وحققت إنجازات في هذه الجزئية، ولكنها نسيت أو تناست جوهر العملية برمتها المواطن (فلولاه لما وجدت كل هذه المنظومة) وتخلت اختياريا عن دورها الأساسي وهو حماية المواطن المغلوب على أمره، وبعد أن أصبحت العمالة المنزلية من الضروريات وليست الكماليات لعدة أسباب ليس المجال لذكرها هنا
ولكني أرى وقد تكون رؤيتي قاصرة - فلدى المسؤول معايير مختلفة وزوايا أخرى ينظر منها أكثر شمولية من الزاوية التي ننظر منها بمحدودية - بأن هناك تضاربا في المصالح وهذا قانون على مستوى العالم والمملكة منحته جل اهتمامها وسنت القوانين والتعاريف الخاصة به، وأدخلته حتى في نظام المنافسات الحكومية.
ومن هنا نبدأ.. تزايد وتيرة ارتفاع تكاليف الاستقدام بحيث أصبحت في خانة العشرات بعدما كانت في خانة الاحاد وعني شخصياً لاحظت ذلك جلياً أثناء جائحة كورونا وكنت أعتقد أن التكاليف ستعود لسابق عهدها بعد اختفاء الأسباب (تكاليف الحجر الصحي) ولكن ذلك يبين جهلي المركب بالأسعار وأحوالها؛ فهي حساسة جدا ترتفع لأتفه الأسباب وحتى بدون أسباب ولكن كبريائها يمنعها عن التراجع أو خفض الأسعار مهما حصل على مبدأ (ثبات المواقف حتى في أحلك الظروف)..
كما أن رسوم الاستقدام التي يدفعها الموطن للمكاتب كأتعاب وعلى الرغم من ارتفاعها إلا أنها متفاوته حسب جنسية القادم للعمل، وهي في مجملها متقاربه لكل جنسية ولم يكن ذلك كافيا فتم استحداث مبلغ مالي إضافي يدفعه المواطن حددته بعض المكاتب بخمسمائة ريال كتأمين الزامي على الهروب ورفض العمل فمن الأولى بسداد التأمين..؟ المستقدم المغلوب على أمره والمغيب تماماً عن هذه العملية..؟ أم وكلاء الخارج في بلد القدوم؟ كموفرين لتلك العمالة.. وهذا يخالف المنطق والعقل ولا أرى له تفسيرا إلا أن هذا التأمين لصالح العمالة والوكلاء الخارجين، وهنا الكارثة؛ فهو يرسخ مفهوماً خاطئاً بأن سوء معاملة السعوديين بصفة عامة هو ما يجبر تلك العمالة على الهروب أو رفض العمل وهذا غير صحيح البتة، لا تقبل به حكومتنا الرشيدة ولا المواطن.
كما أنه من الملاحظ تزايد أعداد حالات الهروب وخصوصاً عاملات المنازل يساعدهن في ذلك عصابات تحرضهن وتعد خطط الهروب باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي ومع الأسف الشديد فلهن سوق رائج وهناك من يستقبلهن للعمل لديه على ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر لتجاوز طول فترة اجراءات الاستقدام، فهل لهذا علاقة بالتامين؟
والملاحظة الأبرز التي تؤكد وجود خلل ما في هذه المنظومة أن أغلب ان لم يكن جميع عمليات الهروب أو رفض العمل بدون سبب مقبول تتم بعد انقضاء ثلاثة أشهر من قدومه أي بعد (90 يوماً) بيوم أو أسبوع أو أكثر بقليل ليفقد المواطن أو رب العمل حقوقة وتبدأ عملية الاستقدام من جديد فمن المستفيد..؟
أما قصة الرقم 91 في العنوان
أنه كان هناك في سالف العصر والأوان عقود متوازنة لحفظ حقوق جميع الأطراف ومنها فترة التجربة ثلاثة أشهر 90 يوما، يحق لصاحب العمل خلالها رفض العامل واعادته للمكتب بمبررات تعاقدية مقبولة ويتحمل المكتب كافة التكاليف المترتبة على ذلك وبحيلة قانونية وبهدوء وبالتدرج انقلبت الآية بإضافة عبارة الهروب ورفض العمل لفترة التجربة في حركة ظاهرها حفظ حقوق رب العمل وباطنها سلبه تلك الحقوق لأن إضافتها تعني تساقط كل التزامات المكاتب ببزوغ فجر اليوم 91 من قدوم العامل،
فكما هو معلوم ان الهروب او رفض العمل علاقة تعاقدية تسري طوال مدة سريان العقد الا إذا نص العقد على خلاف ذلك.!
إن ما يحدث هو عمل اجرامي منظم وانتشار عصابات من بني جلدتهن تسهل وتهيئ ظروف الهرب وتوفير المسكن والمأوى لهن ومن ثمة تسويقهن فالعاملة تهرب من كفيلها بعدما تكبده عليها من خسائر وتحمل انتظار قدومها لتعمل عند غيره بأضعاف مرتبها يذهب جله للوسطاء؛ أي انها تندرج تحت جرائم الاتجار بالبشر والذي يقودنا الى قناعة بان الإجراءات غير كافية، والعقوبات غير رادعة؛ فهناك حلقة بل حلقات مفقودة توفر البيئة المناسبة لنشوء ونشاط جرائم الاتجار بالبشر التي لا يقرها ديننا الحنيف ولا كافة الشرائع والقوانين الوضعية؛ مما يستلزم إعادة النظر في العملية برمتها، ومن المهم ان تُشرك جهات اخرى متخصصة في منظومة هذا العمل يبدأ بمراجعه كل الخطوات لتشخيص المشكلة و سد الثغرات التي تُستغل.