د.محمد بن عبدالرحمن البشر
الإنسان ما قبل التاريخ حاول أن يترك أثراً للأجيال اللاحقة ربما لتخلد ذكره أو غير ذلك من الدوافع، فعمد أناسي الكهوف إلى الرسم على جدرانها مستخدمين ما هو متاح في عصرهم من أدوات، فرسموا ما حولهم من الطبيعة لاسيما تلك المتمثلة في الحيوانات فرسموا الأسد والغزال والضباء، كما رسموا أنفسهم مع أدوات صيدهم، وهم يطاردونها، فتركوا لنا إرثاً أضاف لنا قليلاً من المعرفة بنمط حياتهم، كما تركوا تماثيل عبدوها، وأخرى جسدت بعضاً من أنماط حياتهم، وفيما بعد اتسعت المدارك فكانت الكتابة على الأحجار ثم ورق البردى وجلود الحيوانات، كما طوروا رسومهم وتماثيلهم لتحكي قصة معينة كما فعل الفراعنة في رسومهم الخالدة على القبور وغيرها، وحكاية جر العربات والمعارك، وحتى يثبتوا معجزتهم احتفظت تلك الرسوم بألوانها، بل تركوا لنا جسداً محنطا بقي صامداً ضد تأثير العوامل الطبيعية، وقبلهم ترك لنا السومريون في العراق جملة نقشت على صخرة، قالوا فيها جئنا من الجبل، ونحن لا نعلم أي جبل كان يعني، وربما تلك الواقعة بين العراق وإيران.
وتطورت الحال فيما بعد فكان الإتقان في رسم التماثيل، ثم برزت الكتابة على الورق والجلود فأضافت بعداً جديداً وفتحاً لا نظير له، فرسم لنا المؤرخون بأقلامهم وبلاغتهم الكثير مما سهل علينا معرفة أحوالهم، وأفراحهم وأتراحهم، وسلمهم وحربهم، وعدلهم وغيهم، وعباداتهم، وثقافتهم التي لم يتمكن الإنسان الحديث من فك الكثير من رموزها مع كل ما لديه من تقنية في هذا المجال، كما وصفوا لنا بعضاً من الشخصيات فيذكرون طول قامته وهيئة جسمه فيقولون هو ربعة لا بالطويل ولا بالقصير، أو هو طويل كما قالوا عن عمر - رضي الله عنه -، أو ربعة لا بالطويل ولا بالقصير كما وصفوا علياً - كرم الله وجهه - كما وصفوه بأصلع بني هاشم، وذكروا أن معاوية بن أبي سفيان كان بديناً، ولقبوا الأحنف بن قيس التميمي بهذا اللقب لحنف في رجله، وبشار بن برد عرف أنه أعمى، وقد جاءه أحدهم ليدله على أحد البيوت، فقال:
أَعمى يَقودُ بَصيراً لا أَبا لَكُمُ
قَد ضَلَّ مَن كانَتِ العُميانُ تَهديهِ
وغير ذلك كثير، وقبل عشرات السنين اخترع الإنسان كاميرا التصوير، فكانت نقلة أصبحت صورها مرادفة للوحات الجميلة التي كانت هي السائدة، ثم ظهرت الصور المتحركة، والأفلام السينمائية وغير السينمائية، أما التصوير الخاص في بيئتنا فكان باستخدام الكاميرا الفوتوغرافية، لفترة من الزمن حتى ظهرت كاميرات الفيديو فاستخدمها بعض من الناس، فكانت تحفظ أحداث بعض الرحلات العائلية، أو مع الأصدقاء أو في المدارس والجامعات وغيرها، وكان بعضها يسجل تسلسلاً للأحداث لفترة قد تصل إلى أكثر من ساعة متواصلة للفيلم الواحد، فيعطي صورة كاملة عن الرحلة أو الحدث، وبعد ظهور الجوال أصبحت اللقطات القصيرة التي قد لا تصل إلى دقيقة واحدة هي السائدة، وغالباً ما تكون لتصوير الأفراد وهم على مائدة الطعام، أو في حفل معين، أو للتباهي وإظهار ما أنعم الله به عليهم، كما أن الحرص على النشر ومشاركة الآخرين ذلك أصبح سائداً، بخلاف الأفلام العائلية الطويلة التي لا تبارح المنزل، وهكذا فكان تغير الغاية، قلل التوثيق المتواصل للحدث، والاحتفاظ به، عكس ذلك اللقطات السريعة والقصيرة التي تنتهي في الغالب بنهاية الإرسال، وقد ما يحتفظ به يظل قصيراً وغير متسلسل.