د. تنيضب الفايدي
اللّهم حبَّبْ إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشدّ، بهذا الدعاء المبارك أصبحت المدينة النبوية أحب البقاع على وجه الأرض لكل مسلم ومسلمة، وكذا ما احتوت من معالم مثل: المساجد والآطام والحصون والأسواق والآبار والأودية والجبال والحرار وغيرها من المعالم، وكيف لا يشتاق إليها الإنسان وهي مأوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومثوى الأنصار والمهاجرين الأبرار ومكان نزول القرآن الكريم، وأرضها تضم بين أحضانها أشرف الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وكثيراً من الصحابة والتابعين فهي خير بقعة في الأرض. ومعالم المدينة كثيرة، أذكر أبرزها بالاختصار، ومن تلك المعالم:
خامساً: الأودية:
* وادي العقيق:
علمٌ لوادٍ عظيم عليه أموال (بساتين ومزارع) المدينة، وهو على بضعة أميال منها، هكذا تصفه المراجع القديمة بل والحديثة، ولكن وادي العقيق حالياً داخل المدينة، بل تجاوزه البنيان إلى أكثر من عشرين كيلاً، وقد جاء ذكره في الأحاديث النبوية الشريفة، ففي حديث البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب إلى العقيق، ثم رجع فقال يا عائشة جئنا من العقيق فما ألين موطئه وأعذب ماءه قالت: فقلت: يا رسول الله أفلا ننقل إليه؟ قال: وكيف وقد ابتنى الناس؟ وقد تشوق الشعراء في عقيق المدينة كثيراً يقول الشاعر:
إنِّي مررتُ على العقيق وأهلهُ
يشكونَ من مَطر الرَّبيع نُزورا
ما ضرَّكم أنْ كان جعفرُ جاركم
أن لا يكونَ عقيقُكم ممطورا
يقول الشاعر في عقيق المدينة:
نعم لولاك ما ذُكِرَ العقيقُ
ولا جابتِ له الفلواتِ نوقُ
نعم أسعى إليكَ على عيوني
تَدَاني الحيُّ أو بَعُد الطريقُ
* وادي قناة:
قناةٌ: وادٍ بالمدينة، وهو أحد أوديتها الثلاثة عليه حرث ومال، وفي حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما استسقى سال الوادي قناة شهراً، ولم يأت أحد من ناحية إلا حدّث بالجود.
* وادي مهزور:
هو اسم وادٍ بالمدينة. وفي مهزور اختصم إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي مالك بن ثعلبة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه أهل مهزور، فقضى أن الماء إذا بلغ الكعبين لم يحبس الأعلى. وأصبح وادي مهزور ومشاربه داخل المدينة المنورة حالياً، ومع وجوده في خرائط المدينة إلا أنه قد اختفى في الواقع الميداني.
* وادي بطحان:
وهو من أشهر أودية المدينة المنورة بعد العقيق إن لم يكن متساوياً معه في الشهرة، وقد وردت بعض الأحاديث الشريفة حول وادي بطحان، فعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بطحانُ على ترعة من ترع الجنة». ووادي بطحان هو الوادي المتوسط بيوت المدينة، ودور الأنصار غالبها على حافتيه شرقاً وغرباً، يأتي من الحالتين حالتي صعب على سبعة أميال من المدينة، أو نحو ذلك، ثم يصل إلى وادي جفاف شرقي مسجد قباء أوله من الماجشونية، ثم يمر كذلك إلى أن يمر غربي سور المدينة إلى طرف المصلى، ثم يخرج إلى غربي سلع وقرب مساجد الفتح، ثم يمر كذلك إلى أن يلتقي مع العقيق بالغابة، حيث مجتمع الأسيال. قد اختفى وادي بطحان حالياً وطمست معالمه بعد أن تم مدّ أنابيب داخل الأرض لتصريف مياه الأمطار.
* وادي إضم:
إضم.. اسم الوادي الذي فيه المدينة، وهو ملتقى أودية مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث يلتقي وادي قناة ووادي بطحان مع وادي العقيق شمال المدينة المنورة، غرب جبل أحد، ويشكل الجزء الشمالي الغربي لجبل أحد مع مجموعة جبيلات تسمى (جبال الرسي) أضيق منطقة تضم الأودية السابقة أي: وادي العقيق ووادي بطحان ووادي قناة، وتصبح وادياً واحداً هو (إضم) ويشكل وادي إضم منطقة جميلة صيفاً وشتاءً، ويزيد الموقع جمالاً كرائم النخل المنتشرة في كل موقع، والتي تغطي منطقة إضم كاملاً، وكذلك شجر السَّلم.
* وادي رانوناء:
أحد أودية المدينة المنورة يأتي من وسط الحرة الجنوبية التي يعرف أولها بحرة بني بياضة، ويقع مسجد قباء في وسط هذا الوادي تقريباً بعد أن يمر وسط نخيل العصبة الواقع غربي قباء وعلى عدوتيه تقع منازل بني عمرو بن عوف سكان قباء في العهد النبوي الشريف، ومنازل بني عمهم بني سالم بن عوف سكان منطقة مسجد الجمعة.
سادساً: الجبال:
المطلع على موقع المدينة المنورة يجد أن هناك مئات الجبال تحيطها وتحاصرها من كل جهاتها، وبعض الجبال لها علاقة بالسيرة النبوية فهي من معالم المدينة النبوية منها:
* جبل أحد:
جبل أحد من أشهر الجبال في الجزيرة العربية، وأحد المعالم الجغرافية والتاريخية بالمدينة المنورة، وعلامة مميزة تبشر القادم لقرب المدينة المنورة وبعِظَمِهِ ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم كثيراً من الأمثلة، ففي عظم الأجر لمن شيع جنازة أخيه المسلم مثلاً وصلّى عليها، فعن ثوبان مولى الرسول صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من صلّى على جنازة فله قيراط، فإن شهد دفنها فله قيراطان، والقيراط مثل جبل أحد). متفق عليه. وكذلك في عظم مكانة الصحابة وجزيل أجرهم، يقول صلى الله عليه وسلم: «لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصفه... يقع جبل أحد على ميل من المدينة في شماليها، أما زمن الباحث فقد بلغه البنيان وتجاوزه شمالاً فهو في قلب المدينة النبوية، وأصبح إليه الآن عدة طرق، كلها موصلة إليه، وسمي أحد لتوحّده وانقطاعه عن جبال أخر هناك،وفي الجهة الجنوبية من هذا الجبل يجري شعب الجرار (المهاريس) أو (شعب سيد الشهداء) الذي يتجه إلى الجنوب ليصب في وادي قناة الذي ينحدر جنوباً ثم شمالاً ليلتقي بوادي العقيق.
وردت أحاديث كثيرة في فضل جبل أحد وأنه جبلٌ يحبّ النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ورد في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أحد جبلٌ يحبُّنا ونحبُّه) وورد في الصحيحين أيضاً عن أبي حميد رضي الله عنه قال: أقبلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك حتى إذا أشرفنا على المدينة قال:» هذه طابةُ وهذا أحدٌ جبلٌ يحبنا ونحبه). رواه البخاري، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحبّه، وليست الغرابة في ذلك، فكما خلق الله الجبال المسبحة مع داود عليه السلام {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ} (10) سورة سبأ
وشهدت ساحاته الجنوبية ثبات وبطولة وتضحيات صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث وقعت فيها غزوةٌ جاء ذكرها في القرآن الكريم وسميت هذه الغزوة: بغزوة أُحُدٍ نسبةً إلى هذا الجبل، وذلك في السنة الثالثة من الهجرة
* جبل سلع:
السَّلعُ لغة: واحد السُّلوع، وهي شقوقٌ وطرقٌ في الجبال، وهو من الجبال الشهيرة بالمدينة المنورة وكان في بداية التاريخ الهجري، وفي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيداً عن البنيان حيث ورد اسمه في حديث الرجل الذي طلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستسقي لهم، وهو جبل منفرد يشرف على المدينة المنورة كلها من النواحي الأربعة، قد أحاطت به المباني حالياً إحاطة السوار بالمعصم، وتتصل به عدة جبيلات ففي الجنوب الشرقي جبل سليع وفي الشرق يتصل به جبيل يشكل مع جزء من سلع ثنية الوداع (القرين الفوقاني) ثم جبل في الشمال الشرقي يسمى جبل الراية جبل ذباب (أو القرين التحتاني)، كما كان غرب جبل سلع نخل جابر بن عبد الله رضي الله عنهما الذي دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث حدثت معجزة سداد جميع الديون من كمية قليلة من التمر. رواه البخاري ومن أعلى سلع بُشِّرَ كَعْبُ بنُ مالك رضي الله عنه بتوبة الله عليه متفق عليه. وفي جزئه الشمالي الغربي ارتبطت به غزوة الأحزاب أو الخندق، وفيه مسجد الفتح. وعليه كانت خيمته صلى الله عليه وسلم، وهو يشرف على سير الغزوة، ويدعو الله عزَّ وجلَّ ثلاثة أيام. فاستجاب الله دعاءه يوم الأربعاء. متفق عليه، حيث نزل جبريل يبشره بالفتح، ثمّ بني هناك مسجد عرف بمسجد الفتح، أو مسجد الأحزاب، أو المسجد الأعلى.
* جبل عير:
جبل عظيم مشهور يقع جنوبي المدينة المنورة جهة القبلة، شرقي وادي العقيق بالقرب من ذي الحليفة.
* ثنيات الوداع:
ثنيات الوداع هي اسمٌ من التوديع، وهي ثنيات تشرف على المدينة، تقع شمال المدينة في أول الطريق المحاذي لجبل سلع من الشرق وقد جاء ذكر (ثنيات) ثنية الوداع في الحديث الشريف فعن عبد الله بن عمر قال: أجرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ضُمر من الخيل من الحفياء إلى ثنية الوداع، وأجرى ما لم يضمّر من الثنية إلى مسجد بني زريق، قال ابن عمر: وكنتُ فيمن أجرى. رواه البخاري. وقد اشتهر الموقع بمسجد السبق. كما سلك رسول الله صلى الله عليه وسلم طريق ثنية الوداع في غزوة أحد.
سابعاً: بقيع الغرقد:
أصل البقيع في اللغة: كل مكان فيه أُرُومُ الشجر من ضروب شتى، وبه سمي بقيع الغرقد، والغرقد: كبار العوسج. قال الزاجر: ألِفْنَ ضالاً ناعماً وغرْقداً وهو مقبرة أهل المدينة وهي داخل المدينة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور البقيع ويدعو لهم.
ثامناً: مقبرة سيد الشهداء:
مقبرة شهداء أحد، أحد أهم المعالم الإسلامية في المدينة المنورة، تقع شمال المسجد النبوي على بعد 5 كم، وقد تجاوز البنيان عنها، سميت بهذا الاسم لأنها تضم أجساد سبعين من الصحابة الكرام الذين استشهدوا في غزوة أحد ومنهم عم النبي حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، وقد تنسب إليه فتسمى مقبرة سيد الشهداء.
تاسعاً: سقيفة بني ساعدة:
تطلق كلمة سقيفة على العريش الذي يُسْتَظَلُّ به، وعادة تتكوّن من الجذوع وجريد النخل وتقع هذه السقيفة في الجهة الشمالية الغربية من المسجد النبوي حالياً، وبالقرب منه كانت بئر بضاعة، وقد اشتهرت سقيفة بني ساعدة بمبايعة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبي بكر الصديق رضي الله عنه بعد أن تم اختياره من قِبل المسلمين جميعاً والمهاجرين والأنصار، ومن قِبل من حضر من قريش تطبيقاً لمبدأ الشورى حيث تمت مبايعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه السقيفة.
وأخيراً فإن معالم المدينة النبوية جزء من الثقافة الإسلامية، وارتباط المسلم والمسلمة بهذه الثقافة مهمٌّ للغاية؛ لأنه يقوي الثقة بالنفس، ويعزز الشعور بالقوة، ولأن مركز انطلاق وانتشار الثقافة الإسلامية مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، لذا فإن ربط المسلم والمسلمة بثقافة هذه المدينة أمر بديهي، ومعرفة ما يتعلق بها من أماكنها التاريخية: مساجدها، وجبالها وأوديتها وحرارها، وكل ما يتعلق بهذه المدينة المباركة موروث ثقافي مهم، وما لم تتم دراسة تلك الثقافة بشكل جاد ودقيق، فستفقد المدينة جزءاً من تاريخها.
لذا يذكر الكاتب زائر المدينة المنورة وساكنيها بضرورة المحافظة على مآثرها ومراعاة ما تتطلبه كلمة (الحرم)، كما أن على ساكنيها وزائريها:
1- الصلاة في المسجد النبوي الشريف لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام). متفق عليه.
2- زيارة مسجد قباء والصلاة فيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من توضأ فأسبغ الوضوء وجاء مسجد قباء فصلى فيه ركعتين كان له أجر عمرة». رواه البخاري
3- السلام على أهل البقيع حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يزورهم ويستغفر لهم.
4- زيارة سيد الشهداء فقد ثبت بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزور شهداء أحد ويدعو لهم ويستغفر لهم.
5- متابعة بعض المآثر الأخرى للمحافظة عليها ونقلها إلى الأجيال الحالية واللاحقة.
** **
بعض المراجع:
أخبار المدينة لابن زبالة، المغانم المطابة للفيروزآبادي، وفاء الوفا للسمهودي، الدرة الثمينة لابن النجار، التعريف للمطري، معجم البلدان للحموي، الروض الأنف للسهيلي، تاريخ المدينة المنورة لابن النجار، نزهة الأنظار للورثلاني، التحفة الشماء للكردي، تاريخ معالم المدينة للخياري، آثار المدينة للأنصاري، فصول من تاريخ المدينة: علي حافظ، صيد الذاكرة للدكتور تنيضب الفايدي، الدر الثمين للشنقيطي، معجم جبال الجزيرة: عبد الله بن خميس، ثقافة الأديب للدكتور تنيضب الفايدي.