أجرى الحوار - عوض مانع القحطاني/ تصوير - معاذ آل رفيدة:
عندما نستضيف رجالاً خدموا الوطن.. فهذا من باب توثيق ورصد مسيرة هؤلاء الرجال والنساء الذين ساهموا في بناء وطنهم وكانوا شهوداً على هذه النقلة الحضارية..
هناك نماذج مشرفة تقلدوا العديد من المناصب والوظائف القيادية.. وكانوا مثالاً رائعاً نعتز بهم وبعطاءاتهم.
«الجزيرة» وفي هذا اللقاء تستضيف رجلاً عاصر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز عندما كان أميراً لمنطقة الرياض.. فاكتسب منه خبرة واسعة في العمل القانوني والجنائي والإداري.. كانت توجيهاته كما قال الضيف سديدة في حل الكثير من القضايا الحقوقية ويملك خبرة واسعة ومن يعمل معه فإنما يعمل مع مدرسة في العمل والانضباط والقيادة.
ضيفنا في هذا الحوار الأستاذ عبدالله مرعي القحطاني مدير عام الحقوق بإمارة منطقة الرياض سابقاً والمستشار الخاص لأمير منطقة الرياض للشؤون القانونية والجنائية وعضو الجمعية الدولية للقانون الجنائي الدولي وعضو في اتحاد المحامين العرب، ومحكم تجاري محلي ودولي.. لإلقاء الضوء حول مسيرة 86 عاماً من الكفاح.. والعطاء.
* أين كانت نشأتكم؟
- النشأة كانت في المنطقة الجنوبية في إحدى قرى محافظة أحد رفيدة قرية آل السواد.. هذه القرية التي كان الأهالي في حياتهم يعملون في الزراعة ورعي الأغنام وقد ترعرعت فيها حتى وصل عمري ما يقارب من 16 عاماً، ولم أكن أعرف القراءة والكتابة. بعد ذلك قررت السفر إلى المنطقة الشرقية باعتبار أنه يتواجد فيها بعض الأقارب.
* كيف بدأت معكم رحلة البحث عن العمل؟
• عندما وصلت إلى المنطقة الشرقية أخذت أبحث عن عمل فقد سجلت عسكرياً في شرطة المنطقة الشرقية ولم أكن متعلماً رغم أنني أحفظ شيئاً من القرآن الكريم.
وقد استمريت في هذا العمل لمدة سنتين وخلال هذه المدة التحقت على يد أحد المشايخ الذي يدّرس الناس القرآن الكريم في المسجد، وقد حفظت على يد هذا الشيخ أجزاءً من القرآن الكريم وبعض الأحاديث، وقد كان قائد شرطة الظهران في ذلك الوقت اللواء صالح بن شويل القحطاني مساعد مدير الأمن العام سابقاً -رحمه الله- وقد وجهني على التعليم والقراءة والكتابة وتعلمت كتابة خط القرآن.. وتحولت من عسكري إلى كاتب في قسم الشرطة حتى حصلت على راتب 400 ريال.
وتوليت أمور الأفراد من العسكريين في تنظيم الخفارات والاستلامات والمناوبات، وكانوا من جميع مناطق المملكة وكنت بمثابة الأخ لهم وموجهاً لهم وأحثهم على الانضباط.
بعدها استقلت من العسكرية والتحقت بشركة أرامكو في قسم المحاسبة، وقد أتقنت العمل في هذه الشركة وكنت مسؤولاً عن حسابات الملك سعود -حمه الله- للقروض التي كان يأخذها من الشركة لبناء مشروعات في مدينة الرياض وغيرها من المدن وتمكنت من ممارسة هذا العمل وحفظت هذه الطريقة خلال سنتين وتم ترقيتي في هذا المكان، وكان راتبها في ذلك الوقت لا بأس به مقارنة براتبي الذي كنت أحصل عليه عندما كنت في الشرطة، وأثناء وجودي في أرامكو كان لديهم مدرسة للتعليم ودرست في هذه المدرسة.. بعد ذلك تحولت من أرامكو إلى سكة الحديد في نفس مجال عملي السابق في أرامكو.
* كيف بدأت في التعليم؟
• عندما كنت في سكة الحديد أشار عليَّ أحد الإخوان أن أتعلم، وبالفعل التحقت بالمعهد العربي في الخبر الذي يعلم اللغة العربية والكتابة، وقد تمكنت من الاستفادة من هذا المعهد. بعد ذلك درست المرحلة الابتدائية والمتوسطة وأنا على رأس العمل في سكة الحديد.. وبعدها صدر توجيه من الأستاذ عبدالعزيز القريشي وهو رجل فاضل بالسماح للموظفين الذين يدرسون الثانوية العامة بالتفرغ للدراسة.. وكان لذلك وقع في نفوس الموظفين وتحفيز لهم لمواصلة تعليمهم.
مرضت بمرض اليرقان في آخر سنة
في المرحلة الثانوية النهائية حصل لي مرض وهو ما يعرف باليرقان المعروف (بالصفار)، وقال لي الأطباء تحتاج 4 شهور للعلاج، وأنا أرقد على السرير الأبيض كنت أراجع كتبي الدراسية، وطلبت أن أؤدي الاختبار في المستشفى تحت إشراف لجنة من وزارة المعارف، ولكن تم الرفض فطلبت من الطبيب المعالج أن يسمح لي بالخروج، وقلت سوف أخرج على مسؤوليتي، وبالفعل خرجت وتعافيت وأديت الامتحان مع زملائي وحصلت على الثانوية العامة بامتياز.
بعد الحصول على الثانوية العامة تم ابتعاثي للخارج
بعد أن حصلت على الثانوية العامة ابتعثت وزارة المعارف المتميزين للدراسة في الخارج وكنت واحداً من هؤلاء وكان معنا بعض الأمراء وكنا مبتعثين إلى الجامعة الأمريكية في بيروت، ولكن وزارة المعارف رأت تحويلنا إلى أوروبا.. وبالفعل تم توزيعنا في بعض الجامعات الأوروبية، وكان نصيبي (سويسرا جامعة ينوشتن)، وأنهيت دراسة اللغة الفرنسية وتم تحويلنا إلى جامعة (بروكسل) في بلجيكا، وحصلت على البكالوريوس في علم النفس. ثم بما يعرف الدكتوراه الأولى في مجال الاقتصاد والعلوم السياسية.. بعدها تم تحويلنا إلى جامعة في بلجيكا جامعة مسيحية ولكننا رفضنا الدراسة فيها لأنها جامعة متشددة.. فعرض علينا حل آخر وهو إكمال الدراسة في ليبيا أو تونس ونحن 25 طالباً فوافقنا على ذلك، وقرر زملائي الذهاب إلى تونس وأنا اخترت ليبيا للدراسة في إحدى الجامعات المصرية هناك ودرست القانون والتجارة، وزملائي لم يعجبهم الوضع في الجامعات التونسية فتم تحويلهم إلى أمريكا.
الملك سلمان طلب مني العمل في إمارة الرياض
بعد أن عدت إلى المملكة صدر قرار بتعييني مستشاراً قانونياً في وزارة المعارف، وجلست فيها ما يقارب الـ 6 أشهر وبعدها استدعاني الملك سلمان عندما كان أميراً لمنطقة الرياض وطلب مني العمل في إمارة الرياض ووافقت على طلبه - حفظه الله - وأوكل إلي العديد من المهام والقضايا وبعد مضي وقت جاء خطاب من سمو وزير الداخلية في ذلك الحين صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز - رحمه الله- للعمل ليلاً مع وزارة الداخلية لتطوير عمل الوزارة والأنظمة القانونية والإجراءات الجزائية، فتمت الموافقة من الملك سلمان حفظه الله على طلب سمو الأمير نايف وبقيت متعاوناً مع وزارة الداخلية، ثم طلبت بعد ذلك من سمو الأمير نايف أن يعفيني من هذا التعاون بعد أن استكملنا جميع ما طلب منا ووضعنا اللوائح والأنظمة القانونية لأن الأعمال والمهام الموكلة لي في إمارة الرياض كثيرة وتحتاج وقتاً أطول للبت فيها.
* كيف تم تعيينكم مديراً عاماً للحقوق؟
• جئت لإمارة منطقة الرياض مستشاراً وتم خلال عملي تطوير العمل في الإدارة القانونية مع زملائي وكان الأخ الأستاذ محمد العتيبي - رحمه الله - على هرم هذه الإدارة وكان نعم الرجل والموجه، وقد استفدنا من أفكاره كثيراً، وتدربنا كثيراً على يده، كما كان لأمير منطقة الرياض في ذلك الوقت الملك سلمان الأثر الكبير في تطوير العديد من الإدارات في إمارة الرياض وكانت توجيهاته نبراساً لنا في عملنا حيث صدر توجيه من مقامه الكريم بتعييني مدير عام الحقوق الخاصة والعامة وشؤون السجناء والمخدرات لمدة ثلاث سنوات ثم بعد ذلك صدر قرار بتعييني مستشاراً خاصاً لسمو أمير منطقة الرياض وسمو نائبه الأمير سطام بن عبدالعزيز - رحمه الله -.
* أول مقابلة قابلت فيها الملك سلمان عندما كان أميراً للرياض، ما هي توجيهاته لك؟
• من المفاجآت أنني عندما قابلته كان يعرف عني كل شيء من رحلتي من قريتي حتى الأعمال التي عملت فيها حتى دراستي، وكان يقول لي لدينا من القبائل من لديهم بعض المشاكل والمطالب وأنت خير من يعالج أمورهم ولثقتنا فيك طلبناك.
وقد كنت شفافاً في طرح قضايا الناس عليه حفظه الله وكان حكيماً ويتقبل كل ما هو في صالح المواطن وكانت توجيهاته العدل..
* ما هو أصعب موقف مر عليك أثناء عملك في إمارة الرياض؟
• أصعب موقف ولن أنساه مع الملك سلمان حفظه الله عندما طلب معاملة سجناء وأخذنا نبحث عنها فقد خرج من مكتبه بنفسه يبحث عنها في الصادر والوارد وفي الأرشيف وقرار عدم السماح بخروج الموظفين من الإمارة وتم تقفيل الأبواب عليهم.. وأخذنا في البحث حتى وجدناها.. وسلمت له وتم إعداد تقرير مفصل للمقام السامي حول قضية هؤلاء السجناء لذلك الرجل دقيق جداً في عمله ولا يحب إهمال أي معاملة خاصة قضايا السجناء، كذلك حريص جداً على الدوام وهو أول من يداوم وآخر من يخرج.
* وما أغلب القضايا عندكم في ذلك الوقت؟
• قضايا القتل.. القضايا الجنائية قضايا الحقوق.. وهي قضايا ليست تقارن بما يحصل في دول العالم لأن الأمن لدينا في المملكة قوي منذ أن تأسست هذه البلاد على يد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - وفي عهود أبنائه ملوك هذه البلاد وهي تعيش في استقرار ورفاهية.
* ما هو الشيء الذي تعلمته خلال مسيرة عملكم؟
• تعلمت أن الصبر والمثابرة هما مفتاح كل خير.. والاستعجال والاندفاع والتهور لا تؤدي إلى نتيجة وهي من أبواب الشر.
* ماذا أعطاك الوطن.. وماذا أعطيت الوطن؟
• أعطاني الوطن الشيء الكثير وأشعر أنني مقصر في حق الوطن ولم أعط الوطن مثلما أعطاني في مسيرة حياتي.
* من هو مثلك الأعلى في هذه الحياة؟
• هو الملك سلمان بن عبدالعزيز.. هذا الرجل لن أنسى عملي معه فهو علمنا كل شيء واستفدنا منه فهو مدرسة لمن يريد أن يعمل كذلك الأمير سطام بن عبدالعزيز.
* من قدوتك في هذه الحياة؟
• قدوتي في هذه الحياة والدي ووالدتي فهما من صنعوني (وربوني).
* كيف ترى رؤية المملكة؟
• رؤية المملكة هي نتاج فكر رجل نعتز به هو الأمير محمد بن سلمان عراب هذه الرؤية وهي رؤية أشادت بها كل الدول، فقد صنع المعجزات وسار بهذه البلاد إلى مصاف الدول ورسم علاقات المملكة مع الدول الصديقة.. وهو منفذ ومخطط لجعل المملكة أقوى في كل شيء وأفضل شيء توظيف الشباب والشابات المتعلمين في كل مرافق الدولة.. الشيء الآخر توطين الصناعات العسكرية داخل المملكة.
* كيف ترى السياحة في المملكة؟
• أرى أنها في بداية خطواتها وهي تحتاج إلى المزيد ومستقبل السياحة في المملكة مبشر لأننا نملك كل مقومات السياحة.
* هل تؤيد الاستفادة من خبرات المتقاعدين؟
• نعم أنا من المؤيدين للاستفادة من خبرات المتميزين أصحاب الخبرة خاصة في بعض التخصصات.