نجلاء العتيبي
كل صباح، يبدأ الموظف يومه بحركة متكررة روتينية، لكنها مليئةٌ بالمعاني والأحاسيس، يستيقظ مبكرًا، يمرُّ على طريق مألوف، يحمل معه ذكريات الأيام الماضية، يشاهد الأحياء وهي تستيقظ للحياة تدريجيًّا.
كل خطوة نحو مكان العمل تحمل معها أمنيات بناء المستقبل، بطموحاته وأحلامه، يُرهقه التفكير بالمسؤولية، لكنه يشعر أيضًا بأهمية اللحظات الصغيرة، كتحية الجيران أو شروق الشمس الذي يراه كل يوم من نافذة سيارته.
تصوُّر هذا المشهد جعلني أتفكَّر كثيرًا هل هو سعيد بوظيفته؟
إن الرضا الوظيفي هو أحد الجوانب الأساسية التي تُسهم في تحسين جودة حياة الفرد وسعادته.
إنه الشعور الذي ينتاب الموظفَ عندما يتوافر لديه الانسجام الداخلي مع ما يفعله يوميًّا، فليس الرضا الوظيفي مجرد مجموعة من الامتيازات والمكافآت المالية، بل هو إحساس متكامل يتجسَّد في الرضا النفسي، والشعور بالقيمة والانتماء.
عندما نتحدَّث عن الرضا الوظيفي، فإننا نخوض في عمق النفس البشرية، حيث تلتقي الأهداف الشخصية مع الأهداف المهنية، يشعر الموظف بالرضا عندما يجد نفسه يعمل في بيئة تُعزِّز من قدراته، وتُتيح له فرص النمو والتطوُّر، هذا الشعور يتجسَّد في لحظات الإنجاز، حين يشعر الموظف بالفخر؛ لما يُقدِّمه، وبالأثر الذي يتركه في محيطه المهني.
الرضا الوظيفي ينبع من العديد من العوامل، منها العلاقات الإنسانية داخل العمل، فالتواصل الفعَّال، والاحترام المتبادل بين الزملاء يُعزِّزانِ الشعور بالانتماء، ويزيدانِ من الرغبة في تقديم أفضل ما لديهم، كما أن القيادة الداعمة تلعب دورًا محوريًّا في تحقيق الرضا الوظيفي، حيث إن القادة الذين يستمعون لموظفيهم، ويعترفون بجهودهم يُسهمون في خلق بيئة عمل إيجابية ومحفِّزة.
يتطلب الرضا الوظيفي التوازن بين الحياة الشخصية والحياة المهنية، فالإفراط في العمل دون توفير الوقت الكافي للعائلة والراحة يُؤدِّي إلى الاحتراق الوظيفي، والشعور بالإجهاد المستمر؛ لهذا يُعَدُّ توفير بيئة عمل مرنة - تأخذ في الاعتبار احتياجات الموظفين الشخصية - عاملًا حاسمًا في تعزيز الرضا الوظيفي.
إن تحقيق الرضا الوظيفي ليس هدفًا سهلًا، بل هو عملية مستمرة تتطلَّب الجهد والاستماع المستمر للموظفين، إنه رحلة تبدأ من معرفة الذات، وفهم القيم والأهداف الشخصية، وتمتدُّ لتشمل التفاعل الإيجابي مع الزملاء، والمشاركة في خلْق بيئة عمل تزخر بالإبداع والتعاون.
هو حجر الزاوية في بناء مجتمع مهني مزدهر، إنه الشعور الذي يجعل كلَّ صباح مليئًا بالأمل والطموح، وهو القوة التي تدفعنا لنكون أفضل نسخةٍ من أنفسنا، لنُحقِّق ليس فقط نجاحًا مهنيًّا، بل أيضًا حياة غنية بالمعنى والسعادة.
إن الموظف الراضي يكون أكثر استعدادًا لتبنِّي التغييرات، والتكيف مع التحديات الجديدة؛ ما يُعزِّز الابتكار والإبداع داخل كيان عمله؛ علاوةً على ذلك، فالموظف الذي يشعر بالرضا عن وظيفته يكون أقل عُرضةً للبحث عن فرص عمل أخرى؛ ما يُقلِّل من معدلات دوران الموظفين، ويوفر التكاليف المرتبطة بتدريب موظفين جددٍ.
ببساطةٍ، رضا الموظف ليس فقط نعمةً له شخصيًّا، بل هو أيضًا نعمة للمؤسسة بأكملها، حيث يؤدي إلى بناء بيئة عمل إيجابية ومثمرة، ومليئة بالتعاون والتفاهم والنجاح.
ضوء
«لا يمكن تحقيق النجاح إلا إذا أحببتَ ما تقوم به».
- ديل كارينجي