ناهد الأغا
ثقافات الشعوب عديدة ومتنوعة؛ وعندما يسعى كل بلد من البلدان للتعبير عن أصالته من خلال إبراز ثقافاته ورفع شأنها وسمو قدرها؛ فإنه يسعى بلاشك إلى إبراز ثقافة وفنون طعامه الخاص به؛ وتجدر الإشارة إلى ارتباط ثقافات الشعوب في موضوع الطعام ارتباطاً وثيقاً بثقافة مجتمعاتها... وبالتالي تأتي ثقافة الطهي تأكيداً لهوية أمة ما وإظهار انفرادها بنوع طعام دون غيره وتمييزها من خلاله عن ميزات المجتمعات الأخرى...
فالشعوب والثقافات لديها نقاط تقاطع حول العالم في كثير من الروابط على سبيل المثال لا الحصر... اللغة؛ الفنون؛ والموسيقى وغيرها الكثير.
ولعل من جملة تلك المميزات تبرز ثقافة الطهي والتي غالباً تشكل الهوية التي تشير إلى هذه المجتمعات.
ومنذ سالف الأزمان يتبادل الناس ومن مختلف الثقافات الوصفات ومكوناتها كما يتبادلون السلع فيما بينهم... وهذا بدوره يبني جسوراً للتواصل بين الشعوب يذكر من خلال مدها نقاط التشابه وأوجه الاختلاف... مما يؤدي إلى تبادل المعرفة من خلال إجراء المحادثات حول النكهات والمكونات الخاصة بالطعام وطرق الطهي التقليدية والحديثة عبر التواصل الذي من شأنه إقامة علاقات مستمرة ودائمة ووطيدة ليزداد فيما بعد احترام الشعوب فيما بينها وتقدير بعضها البعض ثقافياً... كذلك ساهمت وسائل الإعلام بشكل فعال وأدت دوراً مهماً جداً في مشاركة ثقافة الطعام من خلال البرامج الخاصة بالطهي في وسائل التواصل؛ حيث عرفت الشعوب بالأطباق المختلفة في جميع أنحاء العالم مما أكسب الناس المعرفة والتعلم من الطهاة المشهورين والعالميين...
فضلاً عن إنشاء المطاعم ذات التنوع بالمأكولات العالمية سهّل تذوق النكهات دون تكبد عناء السفر لتناولها من مصدر بلدانها كالطعام الهندي أو الأمريكي أو الصيني حيث يمكن تناولها بقيامنا بزيارة أي مركز تسوق واستكشاف نكهاتها تحت سقف مطاعم متجاورة...
ولما كان الطعام لغة عالمية يمتلك القدرة العجيبة للتقارب بين الثقافات جاء اهتمام المملكة العربية السعودية بهذا المجال فعالاً ورائعاً... حيث أطلقت وزارة الثقافة مشروع هيئة فنون الطهي وهي واحدة من الهيئات الثقافية الـ11 التي أسستها الوزارة للنهوض بتنمية القطاعات وتعزيز كل مامن شأنه دعم المملكة لتكون السباقة في كافة المجالات الحضارية في زمن التقنية والتطور المتسارعين؛ وتحت عباءة الرؤية الطموحة 2030 وماستحققه في جعل المملكة على أعتاب مصاف الدول المتقدمة.
تأسست الهيئة في شهر شباط من عام 2020م وهدفها الأساس التعريف بالأطباق السعودية على المستويين المحلي والعالمي واستكشاف المواهب في هذا القطاع والسعي بكل فخر واعتزاز لتسليط الضوء على التراث السعودي وتعزيز ثقافة فنون الطهي السعودي؛ وجعل المملكة وجهة لإقامة الفعاليات المميزة والتجارب الإبداعية؛ مما يجعل قطاع فنون الطهي أحد الروافد المهمة جداً للسياحة ومصدراً لدعم الاقتصاد وباباً هاماً لرزق المجتمع والأفراد.
اعتمدت هيئة فنون الطهي مهام عدة أبرزها:
العمل على تأسيس الشركات التي تخص فنون الطهي؛ تدوين وصفات الطعام السعودية والعالمية في سجل والعمل على نشرها وتعريف الناس بها؛ إقامة الفعاليات والمسابقات والمعارض التي تخص الطهي وبالتالي تمثيل المملكة في المنظمات والهيئات والمحافل الدولية والإقليمية المتعلقة بالطهي؛ إنشاء قاعدة بيانات تخص قطاع الطهي وترخيص كافة الأنشطة في هذا المجال.
تدعم الهيئة بكل إمكاناتها المواهب المتخصصة في الطهي؛ تضع الاقتراحات للمقاييس والمعايير الخاصة بفنون الطهي؛ وتعمل على تمكين الاستثمار والتمويل والتشجيع في مجالات اختصاصها؛ تدعم حقوق الملكية الفكرية الخاصة بالقطاع لحمايتها بالتنسيق مع الجهات الأخرى ذات الصلة؛ تقيم الكورسات والبرامج التعليمية وإتاحة الفرص لمنح دراسية للمتميزين والموهوبين؛ تستقطب المبادرات وتنفذها ضمن أفضل التقنيات؛ ولعل أهم خطوة قامت بها وتعتبر الأولى في تاريخ المملكة هي إنشاء منصة إلكترونية موحدة لأجل الابتعاث الخارجي سعياً منها لتطوير قطاع الطهي ودعمه بكافة الإمكانيات الحديثة والنهوض به إلى مراتب متقدمة.
وكل ماسبق من تلك الخطوات الداعمة لبلوغ أهداف أسمى أهمها:
تعزيز مهن فنون الطهي وتطويرها؛ تقديم الخدمات ضمن أفضل الابتكارات في الإنتاج؛ دعاية وترويج المحتوى المتفرد المستوحى من القصص المحلية؛ والتأكيد على تاريخ فنون الطهي السعودية للمحافظة عليها؛ والعمل على تمازج الثقافات من خلال تقديم تجارب الطهي العالمية لكل من المواطنين والسياح.
كما أطلقت هيئة فنون الطهي مبادرات وبرامج فعالة تدعم فنون الطهي منها:
برنامج حاضنة فنون الطهي؛ ومبادرة إرث مطبخنا التي تهدف إلى توثيق أهم الوصفات للمأكولات البحرية والنباتية في كل منطقة؛ وحققت الهيئة أقوى إنجازاتها عندما فازت منطقة «عسير» بجائزة «منطقة فنون الطهي العالمية لعام 2024م».
وفي خضم هذه التجارب والمبادرات المثرية يستكشف الزوار في معارض الطهي تراثاً غنياً تتميز به الأطباق الوطنية السعودية وكم اللذاذة الذي يقطر من خلال مذاقها الشهي؛ والذي يروي قصص أصالة مناطق المملكة وثقافتها باعتبارها وجهة عالمية لفنون الطهي.