خالد بن حمد المالك
في جلسة مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين بتاريخ 19 من محرم 1446هـ الموافق 24 يوليو (تموز) 2024م تمت الموافقة على نظام هيئة الرقابة ومكافحة الفساد دون الإعلان عن أي تفاصيل، لكن معالي رئيس هيئة الرقابة ومكافحة الفساد الأستاذ مازن بن إبراهيم الكهموس أوضح الكثير من التفاصيل عن مضامين هذا النظام في تصريح لوكالة الأنباء السعودية.
* *
وجاء في تصريح الأستاذ الكهموس أن النظام منح الهيئة صلاحيات التسوية مع المبادرين ممن ارتكبوا جرائم فساد من ذوي الصفة الطبيعية أو الاعتبارية وبادروا بتقديم طلبات بذلك، للتقليل من الآثار الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق المصلحة العامة، وأن النظام أكد على استقلال الهيئة التام، وأن ذلك سوف يسهم في تعزيز دورها في مباشرة اختصاصاتها، وقال في تفاصيل أخرى إن النظام بمواده الـ24 سوف يكفل بكل حيادية ملاحقة جرائم الفساد ومحاسبة مرتكبيها وفق المقتضى الشرعي والنظام.
* *
وجاء في تصريح معاليه أن الأموال الناتجة عن ارتكاب تلك الجرائم سوف تُسترد وتوجّه إلى الخزينة العامة للدولة، وأن النظام نصّ على أحكام تتصل بوحدة التحقيق والادعاء الجنائي واستقلالها، بالإضافة إلى أنه حدّد صور جرائم الفساد وهي الرشوة، والاعتداء على المال العام، وإساءة استعمال السلطة، وأي جريمة أخرى تدل على أنها جريمة فساد.
* *
وحدّد النظام اختصاصات الهيئة في الرقابة الإدارية، والتحقيق، والادعاء الإداري، وحماية النزاهة، وتعزيز الشفافية، والتعاون الدولي مع الهيئة والمنظمات الدولية والإقليمية، والتحرّي على أوجه الفساد المالي والإداري، والتحقيق، والادعاء الجنائي، كما حوى أحكاماً تتصل بمكافحة جرائم الفساد المالي والإداري ومنها عقوبة الفصل من الوظيفة للموظف العام، وأحكاماً أخرى تتعلق بالإثراء غير المشروع، وهروب المتهم إلى خارج المملكة.
* *
هذا بعض ما صرح به رئيس هيئة الرقابة ومكافحة الفساد إثر صدور قرار مجلس الوزراء، أخذته كمدخل لهذا المقال المُطوّل عن جذور الفساد، وما مر به من محطات لمعالجة أسبابه أولاً، وصولاً إلى اجتثاثه ثانياً، واعتباره من الماضي الذي لن يعود مع كثير من الحزم، وعدم استثناء كائناً من كان تورط بفساد من أي نوع من الأنواع التي أشار إليها النظام الذي وافق عليه مجلس الوزراء.
* *
صندوق إبراء ذمة لمن حصل على مال دون وجه حق
لقد كان واضحاً للجميع بأن كثيراً من أموال الدولة كانت تُستهلك على مدى عقود عن طريق الفساد، وكانت أول إشارة للتأكيد على ذلك ما صرح به وزير المالية السابق لوكالة الأنباء السعودية بتاريخ 9/ 6/ 2006م عن صدور الأمر السامي رقم 5997/ م ب وتاريخ 29/ 4/ 1426هـ بإيجاد صندوق إبراء ذمة، وهو حساب مصرفي يُودع فيه من يرغب من المواطنين والمقيمين إيداع أي مبالغ يرى أنه حصل عليها بغير وجه حق، ويرغب إعادة ذلك المال إبراءً لذمته، على أن تؤول تلك الأموال لبنك التسليف الذي سيستخدم تلك الأموال في تقديم تمويلات لأغراض اجتماعية مثل الزواج، وقروض الأسر، وترميم المنازل، غير أن التجاوب كان محدوداً، ولم يكن له أثرٌ ملموسٌ في الحدّ من جرائم الفساد.
* *
هيئة وطنية لمكافحة الفساد
كانت الخطوة الثانية صدور أمر ملكي برقم 1/ 65 وتاريخ 13/ 4/ 1432هـ بإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ومهامها تشمل كافة القطاعات الحكومية، وحماية النزاهة, وتقرير مبدأ الشفافية, ومكافحة الفساد المالي والإداري والتحري عنه، ومتابعة استرداد الأموال والعائدات الناتجة من جرائم الفساد، وعُيّن الأستاذ محمد بن عبدالله الشريف رئيساً للهيئة، وصدر نظام لها سُمّي تنظيم الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، حدد التنظيم هذه الاختصاصات وغيرها، لكنه أيضاً لم يفعل بما يقضي على ظاهرة الفساد.
* *
لجنة عليا برئاسة ولي العهد لمكافحة قضايا الفساد
بدأت الإشارة الأولى في جدية الدولة في متابعة أوجه الفساد بحزم لا يلين، وإصرار لا يتوقف، وعزيمة نافذة، بصدور الأمر الملكي بتاريخ 15/ 2/ 1439هـ ونصّه كما يلي:
بسم الله الرحمن الرحيم
الرقم: أ/ 38
التاريخ: 15/ 2/ 1439هـ
بعون الله تعالى
نحن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود
ملك المملكة العربية السعودية
بعد الاطلاع على النظام الأساسي للحكم الصادر بالأمر الملكي رقم (أ/ 90) بتاريخ 27/ 8/ 1412هـ.
وبعد الاطلاع على نظام مجلس الوزراء الصادر بالأمر الملكي رقم (أ/ 13) بتاريخ 3/ 3/ 1414هـ.
وبعد الاطلاع على نظام مجلس الوزراء ونواب الوزراء وموظفي المرتبة الممتازة الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/ 10) بتاريخ 18/ 3/ 1391هـ.
وبعد الاطلاع على نظام محاكمة الوزراء الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/ 88) بتاريخ 22/ 9/ 1380هـ.
وبعد الاطلاع على نظام الإجراءات الجزائية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/ 2) بتاريخ 22/ 1/ 1435هـ.
وبعد الاطلاع على الأوامر رقم 4690 بتاريخ 6/ 2/ 1435هـ، ورقم 10015 بتاريخ 6/ 3/ 1436هـ، ورقم 12089 بتاريخ 6/ 3/ 1437هـ.
ونظراً لما لاحظناه ولمسناه من استغلال من قبل بعض ضعاف النفوس الذين غلّبوا مصالحهم الخاصة على المصلحة العامة، واعتدوا على المال العام دون وازع من دين أو ضمير أو أخلاق أو وطنية، مستغلين نفوذهم والسلطة التي اؤتمنوا عليها في التطاول على المال العام وإساءة استخدامه واختلاسه متخذين طرائق شتى لإخفاء أعمالهم المشينة، ساعدهم في ذلك تقصير البعض ممن عملوا في الأجهزة المعنية وحالوا دون قيامها بمهامها على الوجه الأكمل لكشف هؤلاء مما حال دون اطلاع ولاة الأمر على حقيقة هذه الجرائم والأفعال المشينة.
وقد حرصنا منذ تولينا المسؤولية على تتبع هذه الأمور انطلاقاً من مسؤولياتنا تجاه الوطن والمواطن، وأداءً للأمانة التي تحملناها بخدمة هذه البلاد ورعاية مصالح مواطنينا في جميع المجالات، واستشعاراً منا لخطورة الفساد وآثاره السيئة على الدولة سياسياً وأمنياً واقتصادياً واجتماعياً، واستمراراً على نهجنا في حماية النزاهة ومكافحة الفساد والقضاء عليه، وتطبيق الأنظمة بحزم على كل من تطاول على المال العام ولم يحافظ عليه أو اختلسه أو أساء استغلال السلطة والنفوذ فيما أسند إليه من مهام وأعمال نطبق ذلك على الصغير والكبير لا نخشى في الله لومة لائم، بحزم وعزيمة لا تلين، وبما يبريء ذمتنا أمام الله سبحانه ثم أمام مواطنينا، مهتدين بقوله تعالى: {وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}، وقوله صلوات الله وسلامه عليه: (إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها).
ولما قرره علماء الأمة من أن حرمة المال أعظم حرمة من المال الخاص بل وعدوه من كبائر الذنوب، وقد قال الله تعالى: وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ ، وإيماناً منا بأنه لن تقوم للوطن قائمة ما لم يتم اجتثاث الفساد من جذوره ومحاسبة الفاسدين وكل من أضر بالبلد وتطاول على المال العام.
وبناءً على ما تقتضيه المصلحة العامة.
أمرنا بما هو آتٍ:
أولاً: تشكيل لجنة عليا برئاسة صاحب السمو الملكي ولي العهد، وعضوية كل من: رئيس هيئة الرقابة والتحقيق، ورئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ورئيس ديوان المراقبة العامة، والنائب العام، ورئيس أمن الدولة.
ثانياً: استثناءً من الأنظمة والتنظيمات والتعليمات والأوامر والقرارات تقوم اللجنة بالمهام التالية:
1- حصر المخالفات والجرائم والأشخاص والكيانات ذات العلاقة في قضايا الفساد العام.
2- التحقيق، وإصدار أوامر القبض، والمنع من السفر، وكشف الحسابات والمحافظ وتجميدها، وتتبع الأموال والأصول ومنع نقلها أو تحويلها من قبل الأشخاص والكيانات أياً كانت صفتها، ولها الحق في اتخاذ أي إجراءات احترازية تراها حتى تتم إحالتها إلى جهات التحقيق أو الجهات القضائية بحسب الأحوال.
3- اتخاذ ما يلزم مع المتورطين في قضايا الفساد العام واتخاذ ما تراه بحق الأشخاص والكيانات والأموال والأصول الثابتة والمنقولة في الداخل والخارج وإعادة الأموال للخزينة العامة للدولة وتسجيل الممتلكات والأصول باسم عقارات الدولة، ولها تقرير ما تراه مُحقّقاً للمصلحة العامة خاصة مع الذين أبدوا تجاوبهم معها.
ثالثاً: للجنة الاستعانة بمن تراه ولها تشكيل فرق للتحري والتحقيق وغير ذلك، ولها تفويض بعض أو كامل صلاحياتها لهذه الفرق.
رابعاً: عند اكمال اللجنة مهامها ترفع لنا تقريراً مفصلاً عما توصلت إليه وما اتخذته بهذا الشأن.
خامساً: يبلغ أمرنا هذا للجهات المختصة لاعتماده، وعلى جميع الجهات المعنية التعاون التام لإنفاذ ما تضمنه أمرنا هذا.
سلمان بن عبدالعزيز آل سعود
* *
بيان من الديوان الملكي عن إنهاء ولي العهد تقريره للملك عن الفساد
وبعد الأمر الملكي صدر عن الديوان الملكي بتاريخ 24 جمادى الأولى 1440هـ الموافق 30 يناير 2019م بيانٌ عن اطلاع خادم الحرمين الشريفين على التقرير المقدم من سمو ولي العهد متضمناً أن اللجنة العليا لقضايا الفساد العام أنهت أعمالها في قضايا استدعاء 381 شخصاً، وفيما يلي نص البيان:
الرياض 24 جمادى الأولى 1440هـ الموافق 30 يناير 2019م واس
صدر عن الديوان الملكي اليوم البيان التالي، وفيما يلي نصه:
(بيان من الديوان الملكي)
اطلع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - على التقرير المقدم من صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس اللجنة العُليا لقضايا الفساد العام - المشكلة بالأمر الملكي رقم ( أ/ 38 ) بتاريخ 15/ 2/ 1439هـ المتضمن أن اللجنة أنهت أعمالها حيث تم استدعاء (381) شخصاً، بعضهم للإدلاء بشهاداتهم، وجرى استكمال دراسة كافة ملفات المتهمين ومواجهتهم بما نسب إليهم، وتمت معالجة وضعهم تحت إشراف النيابة العامة، وقد تم إخلاء سبيل من لم تثبت عليهم تهمة الفساد، وإجراء التسوية مع (87) شخصاً بعد إقرارهم بما نسب إليهم وقبولهم للتسوية، وتم إحالة (56) شخصاً إلى النيابة العامة لاستكمال إجراءات التحقيق معهم وفقاً للنظام حيث رفض النائب العام التسوية معهم لوجود قضايا جنائية أخرى عليهم، وبلغ عدد من لم يقبل التسوية وتهمة الفساد ثابتة بحقه (8) أشخاص فقط وأُحيلوا كذلك إلى النيابة العامة لمعاملتهم وفق المقتضى النظامي.
وقد نتج عن ذلك استعادة أموال للخزينة العامة للدولة تجاوزت في مجموعها (400) مليار ريال متمثلة في عدة أصول من عقارات وشركات وأوراق مالية ونقد وغير ذلك.
وبذلك تكون اللجنة أنجزت المهام المنوطة بها وفق الأمر الملكي وحققت الغاية المرجوة من تشكيلها، ويطلب سموه الموافقة على إنهاء أعمالها.
وقد وجّه المقام الكريم - أيده الله - بالموافقة على ذلك، وشكر - حفظه الله - سمو رئيس اللجنة وأعضاءها وفرق العمل المنبثقة عنها على ما بذلوه من جهد وحرص، مؤكداً - رعاه الله - استمرار الدولة على نهجها في حماية النزاهة ومكافحة الفساد والقضاء عليه، وردع كل من تسول له نفسه العبث بالمال العام والتعدي عليه واستباحة حرمته، وأن على الأجهزة الضبطية والرقابية تعزيز دورها في ممارسة اختصاصاتها؛ بما يضمن الفاعلية وحماية المال العام والمحافظة عليه.
والله ولي التوفيق..
* *
ولي العهد يضع الملك في أجواء ما تم للقضاء على الفساد
وامتداداً لاهتمام المقام السامي الكريم للقضاء على الفساد بكل حزم وإصرار، وضمن خطاب شكر من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لمقام خادم الحرمين الشريفين بتاريخ 26 ربيع الأول 1442هـ الموافق 12 نوفمبر 2020م قال سموه عن الحملة المستمرة للقضاء على الفساد بالمملكة ما نصّه:
«لقد انتشر الفساد في المملكة العربية السعودية خلال العقود الماضية مثل السرطان، وأصبح يستهلك 5 % إلى 15 % من ميزانية الدولة، ما يعني أداءً أسوأ من 5 % إلى 15 % على أقل تقدير في مستوى الخدمات والمشاريع وعدد الوظائف وما إلى ذلك. ليس فقط لسنة أو سنتين، ولكن تراكمياً على مدى ثلاثين سنة، وإنني بصدق أعد هذه الآفة العدو الأول للتنمية والازدهار وسبب ضياع العديد من الفرص الكبيرة في المملكة العربية السعودية. هذا الشيء أصبح من الماضي ولن يتكرر بعد اليوم على أي نطاق كان دون حساب قوي ومؤلم لمن تسوّل له نفسه، كبيراً أو صغيراً. ونتائج حملة مكافحة الفساد كانت واضحة للجميع، حيث بلغ مجموع متحصلات تسويات مكافحة الفساد 247 مليار ريال في الثلاث السنوات الماضية، وهذا يمثل 20 % من إجمالي الإيرادات غير النفطية، بالإضافة إلى أصول أخرى بعشرات المليارات نُقلت لوزارة المالية، وستسجل في الإيرادات عندما تُسيّل بما فيها من عقارات وأسهم».
* *
النتائج والنجاحات
وهكذا نرى أن التعامل مع ظاهرة الفساد بهذا الحزم والقوة وبعدل مع الجميع، قد انحصر الآن في حدود تقتصر على ما تبقى من آثار الماضي، وأنّ أحداً لم يعد الآن يجرؤ على التورّط في شبهة فساد، وإن حدث فهو في عدد محدود ومبالغ مُتواضعة، وأن صدور نظام جديد يعالج الثغرات في النظام السابق، مستنداً على النجاحات والخبرات التي تمت في عهد الملك سلمان وولي عهده الأمين محمد بن سلمان سوف تقضي على ما قد يكون لم يُكتشف بعد، فجميع المواطنين وليست الهيئة فقط مسؤولون عن حماية المال العام، والقضاء على الرشوة، والاستفادة من دروس مواجهة قضية الفساد بما تم من حزم وقوة وإصرار، حتى لا تستمر بلادنا يستهلك الفساد من ميزانيتها إلى ما يصل إلى 15 % وهو ما كان يحدث على مدى ثلاثين عاماً مضت كما أشار إلى ذلك سمو ولي العهد، مع تأكيد سموه على أن الفساد هو العدو الأول للتنمية والازدهار.
* *
بقي أن أشير إلى ما نصّ عليه النظام الجديد للهيئة من تأكيد على أن كل من تقدم بطلب تسويات مالية ممن صدرت أحكام بحقهم سوف يُستجاب لطلبهم، وفي ذلك فوائد اقتصادية واجتماعية كما أشار إلى ذلك معالي رئيس هيئة الرقابة ومكافحة الفساد، وهو عمل إنساني دون أن يتم التنازل عن حقوق الدولة.