د. محمد عبدالله الخازم
الرياض تتوسّع عمرانياً بشكل كبير، في كل اتجاه وإن كان شمالاً أكثر منه جنوباً. أحاول وصف الحراك السكني داخل المدينة، من مبدأ الملاحظة وليس الدراسة المتخصصة.
الرياض تنمو بشكل سريع، فقد كان سكانها عام 1950م 111,123 نسمة فقط وفي العام 1980م تجاوزت المليون الأول، ثم المليونين عام 1989م، ثم الثلاثة عام 1995م، ثم الأربعة عام 2004م فالخمسة عام 2009م، فالستة عام 2014م. الآن نقترب من المليون الثامن.
وفق معدل نمو يقدر بـ 1.8 % سنصل للمليون التاسع عام 2035م. هذه التقديرات وليس العدد الحقيقي والمتوقع تجاوزها بفضل السياسات الموجهة في هذا الشأن.
قبل خمسة عقود تقريباً، برزت الرياض كعامل جذب للسكان من مختلف مناطق المملكة، فنشأت ظاهرة توزعهم في الأحياء بناءً على الخلفية القبلية أو المناطقية. أصبح شائعاً بأن هذا الحي أو ذاك يخص القادمين من المنطقة/ القبيلة الفلانية.
هذا أمر منطقي ثقافياً وأمنياً واقتصادياً؛ القادمون الجدد يحنون إلى السكن بجوار من يعرفونه أو يشبههم، يحتمون ببعض ويساندون بعضهم البعض في غربتهم ومعاشهم. هذه ظاهرة معروفة على مستوى الهجرات داخل أو خارج الدول.
لكن الرياض تتجاوز ذلك؛ خلال عقود قصيرة بدا الأهالي يتخلون عن هاجس القرب من أهل القبيلة/ المنطقة وينتشرون في الأحياء الجديدة؛ البعد عن التصنيف وفق الخلفية القبلية والانسياق خلف تصنيفات اجتماعية من نوع آخر، تحديداً تتعلق بالتصنيف المادي و(البرستيجي) والاجتماعي.
السكن أحد معايير (البرستيج) الاجتماعي والناس بطبعها ترغب في تصنيفها ضمن طبقة أعلى؛ منزل أكبر في منطقة أغلى، سيارة أغلى، سفرات أغلى، إلخ.
إضافة إلى ذلك، نشأت أحياء يتقارب فيها أهل المهنة أو المرجعية الوظيفية والمستوى المتقارب، بالذات مع نشوء طبقة المهنيين من أطباء وأساتذة جامعات وموظفي شركات وبنوك، إلخ. وبدعم من سياسة المنح الحكومية التصنيفية، تلك لذوي الدخل وتلك للدكاترة وتلك سامية، إلخ.
الرياض المدينة ينتمي أغلب سكانها السعوديين للوظيفة الحكومية، مما قاد لنشوء طبقات أقل دخلاً أو متوسطة الدخل تعيش وفق رواتب الوظيفة، جاء توجههم نحو غرب وشرق المدينة، لتنشأ أحياء ضخمه في الغرب والشرق مكتظة بالسكان والمنازل ذات السعة الاعتيادية ومجاهدة الجهات الحكومية في تلبية مطالبهم التنموية. السكان / الموظفون الجدد على المدينة وجدوا أنفسهم كذلك في الغرب والشرق ومن لديه دخل أعلى يتجه للشمال. وفق الحراك السكاني، سنجد أولئك السكان، ما أن تتحسن ظروفهم الاقتصادية حتى يتجهون صوب الشمال.
تناقصت كثافة السكان السعوديين في مناطق الوسط و(التقليدية) مثل الملز والوزارات والشميسي وغيرها وتركت مساحات كبيرة، اتجه لها الأجانب لتنشأ أحياء بصبغة جديدة.
الظواهر هذه تدل على عدم استقرار السعودي داخل المدينة، ليصبح الزمن الافتراضي للبقاء في مسكن واحد لا يزيد عن 20 أو 30 عاماً. تجد من عمره 40 عاماً يحكي عن ذكريات في بيت قديم وحي قديم وجيران/ أصدقاء قدماء لم يعد يراهم وكأنه مهاجر رغم أنه يعيش في ذات المدينة. أتساءل أحياناً، ماذا يعني بيت العمر بالنسبة للسعودي، إذا كان لا يسكن أغلب عمره في بيت واحد؟ هل تعريف بيت العمر هو مجرد امتلاك منزل ولو كان في عمر الستين أو السبعين؟ لماذا نبقى رهينة الضغوط الاجتماعية والعمرانية والتصنيفية التي تدفعنا للانتقال من حي إلى آخر ومن منزل إلى آخر؟ وأزيد في التساؤل، كيف يبني السعودي ذكريات وانتماءً وتاريخاً شخصياً وعائلياً في المدينة وهو لا يستقر في حي واحد/ منزل واحد يتوارثه الأبناء والأحفاد ويعيشون فيه العمر؟!