عبدالرحمن الحبيب
لمعرفة عمل الدماغ البشري وتحليل العلاقة بين إشاراته ومشاهداته، تمكن الذكاء الاصطناعي من إعادة بناء الصور التي يشاهدها البشر وفقاً للدماغ البشري جنبًا إلى جنب مع التقنيات التنبؤية لإعادة إنشاء الأشياء المعقدة.. إذ قبل أشهر قال علماء يابانيون إنهم نجحوا في إنشاء أول صور ذهنية في العالم للأشياء والمناظر الطبيعية من نشاط الدماغ البشري باستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، حيث تمكن فريق العلماء من المعهد الوطني لعلوم وتكنولوجيا الكم، ومعهد وطني آخر وجامعة أوساكا، من إنتاج صور تقريبية لنمر، مع فم وأذنين ونمط مرقط يمكن التعرف عليه، إضافة إلى أجسام مختلفة مثل طائرة مع أضواء حمراء على أجنحتها.
ماذا يعني ذلك؟ هذه التقنية، التي يطلق عليها اسم «فك تشفير الدماغ»، تتيح تصور المحتويات الإدراكية بناءً على نشاط الدماغ ويمكن تطبيقها في المجالات الطبية والرعاية الاجتماعية ويمكن استخدام هذه التكنولوجيا في تطوير أجهزة الاتصال وفهم آليات الهلوسة والأحلام في الدماغ.. يعد هذا الاكتشاف الرائد بمثابة عهد جديد على كيفية إعادة تعريف الذكاء الاصطناعي لمنهجيات إجراء الدراسات وتحليل البيانات وتمكين الباحثين وتعزيز التعاون العالمي بين العلماء.
«بالتأكيد، هنا مقدمة محتملة لموضوعك...» بهذه العبارة بدأت مقالة حديثة في مجلة Surfaces and Interfaces العلمية.. ربما يتساءل القارئ: من الذي يخاطبه هذا السطر الافتتاحي الغريب بالضبط؟ وربما يساءل أيضًا عما إذا كانت المقالة المذكورة التالية كتبها إنسان أم آلة؟ إنه سؤال يطرحه المزيد من قراء الأوراق العلمية، فقد أصبحت النماذج اللغوية الكبيرة الآن جيدة بما يكفي للمساعدة في كتابة ورقة علمية، إذ يمكنها إعداد صياغة بشرية بليغة في النثر العلمي الكثيف وتسريع عملية التحرير، خاصة بالنسبة لغير الناطقين باللغة الإنجليزية. لكن مثل هذا الاستخدام يظل محفوفًا بالمخاطر أيضًا: فالنماذج اللغوية الكبيرة معرضة بشكل خاص لإعادة إنتاج التحيزات، على سبيل المثال، ويمكن أن تنتج كميات هائلة من الهراء الذي يمكن أن تصدقه العقول (مجلة الإيكونيميست).
إنما مع استمرار الذكاء الاصطناعي في التطور، فإن التآزر بين الذكاء البشري وقدرات الذكاء الاصطناعي يحمل المفتاح لفتح حدود جديدة في الاستكشاف العلمي؛ إذ يمتد تأثير الذكاء الاصطناعي إلى ما هو أبعد من مجرد تطوير العلوم الحديثة؛ فهو يلعب دورًا محوريًا في تسريع وتيرة الاكتشاف وتسهيل الاختراقات في الأوساط الأكاديمية التي كانت تعد صعبة في السابق.
نيشاشي شاه الرئيس التنفيذي في شركة Cactus Communications لعلوم وتكنولوجيا الاتصالات، يوضح أول فوائد الذكاء الاصطناعي هي تحليل الكميات الهائلة من البيانات الناتجة عن التجارب العلمية التي لا يمكن عملها بسهولة من خلال الطرق التقليدية، ومن ثم تفسيرها وإعطاء التوصيات المناسبة. بالإضافة إلى أتمتة المهام الكثيفة، فإن تأثير الذكاء الاصطناعي على البحث العلمي يمتد إلى ما هو أبعد من تحليل البيانات، إلى المساهمة في حلول وتعزيز دقة البحث من خلال عمليات التحقق الشاملة من صحة وسلامة المخطوطات العلمية؛ فهذه الحلول تم تصميمها كإشارات لمراجعة المخطوطات بحثًا عن الانتحال، مما يضمن أصالة المساهمات البحثية؛ ويمكنها أيضًا اكتشاف الأخطاء المحتملة أو عدم الاتساق في البيانات والمنهجية والنتائج، مما يوفر مستوى إضافي من مراقبة الجودة.
الذكاء الاصطناعي يدعم تعدد اللغات للمنشورات البحثية، فمعظم الأوراق العلمية على مستوى العالم مكتوبة باللغة الإنجليزية من قبل متحدثين باللغة الإنجليزية غير لغتهم الأم.. هنا يمكن لأدوات اللغة المدعومة بالذكاء الاصطناعي أن تقدم دعمًا شاملاً للمتحدثين باللغة الإنجليزية لغير الناطقين بها، ومساعدتهم في صياغة أوراق علمية واضحة وموجزة ودقيقة نحويًا. ولا يؤدي ذلك إلى تحسين جودة المخطوطة فحسب، بل يسهل أيضًا رحلة نشر أكثر سلاسة. هذه الترجمات تساعد أيضا لغير الناطقين باللغة الإنجليزية، كما أنها تعزيز اكتشاف الأبحاث، إذ تكمن قوة الذكاء الاصطناعي في البحث عن الأوراق العلمية وقدرته على التنقل في قواعد بيانات واسعة النطاق بكفاءة غير مسبوقة..
إحدى منافع الذكاء الاصطناعي أنه يسهل التعاون العالمي وتبادل المعرفة من خلال تسريع التعاون بين الباحثين والمؤسسات على نطاق عالمي؛ فعبر تجاوز الحدود الجغرافية، يمكن لمنصات الذكاء الاصطناعي أن تربط بين العلماء من مختلف أنحاء العالم، مما يعزز التعاون في نتائج البحوث والاكتشافات، ويمكن لهذه البيئة التعاونية توسيع نطاق البحث وتشجيع التلقيح المتبادل للأفكار، مما يمهد الطريق لتحقيق اختراقات جديدة ربما كانت تمثل تحديًا داخل الصوامع التقليدية.
مستقبل الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي واعد مليء بالمفاجآت وإمكانات هائلة لمزيد من الابتكار والاكتشاف.. وبينما نقف على أعتاب حقبة جديدة في الأوساط العلمية ترسم القوة التعاونية بين التكنولوجيا والنظام البيئي للبحث الأكاديمي صورة واعدة لمستقبل لا يكون فيه الذكاء الاصطناعي مجرد أداة، بل شريكًا حقيقيًا في السعي وراء المعرفة.