د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
تحتل المملكة المرتبة الأولى من حيث طول الساحل على البحر الأحمر الذي يبلغ طوله 2400 كلم، ويعد البحر الأحمر المدخل إلى المحيط الهندي بالإضافة إلى الدول العربية والأفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وهي بمثابة الربط بين آسيا وأفريقيا، ما يجعل فكرة التكامل الإقليمي مرتكزا للسياسة السعودية.
أولت السعودية اهتماما مبكرا بأمن البحر الأحمر ليس فقط لكونه جزءا من الأمن الوطني، ولكن أيضا من منطلق أهمية تحقيق الأمن المشترك في البحر الأحمر، باعتباره ليس فقط ممرا لنحو 3.3 ملايين برميل نفط يوميا ولكنه يشكل معبرا رئيسيا للتجارة الدولية، وذلك يفسر التنافس المحموم بين القوى الدولية والإقليمية على النفوذ في البحر الأحمر.
وقد ارتبط تطوير السعودية لاستراتيجيتها في البحر الأحمر بالأحداث التي حدثت في المنطقة منذ 2011 وخاصة في مصر واليمن أنتجت علاقات عميقة بين السعودية ومصر واليمن، باعتبار أن البحر الأحمر عمق للسعودية ومصر باعتبار أن قناة السويس تشرف عليها مصر ومصدر دخل لها، ما جعلها تشكل كيانا إقليميا للدول العربية والأفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن في البحر الأحمر لتعزيز التعاون الاقتصادي والأمني والسياسي وتحقيق المصالح على الصعيدين الإقليمي والدولي.
تدرك السعودية الأهمية الجيبولتيكية والجيوستراتيجية للبحر الأحمر التي لا تتطابق فيها مصالح الدول الأجنبية بالضرورة مع مصالح الدول المشاطئة له واهتماماتها، وفي 2020 تأسس تحالف يضم 8 دول مشاطئة للبحر الأحمر يتكون هذا التحالف من السعودية والسودان وجيبوتي والصومال وأرتيريا ومصر واليمن والأردن وهذا التحالف هو ثمرة اقتراح سعودي في ديسمبر 2018 لإنشاء تجمع لدول البحر الأحمر والقرن الأفريقي.
تاريخيا علاقة الجزيرة العربية بالقارة الأفريقية لا يحكمها قرب الموقع الجغرافي فقط بل يجمع الجانبين تاريخ ومصير مشترك، حيث تعود أصول التجارة مع القارة الأفريقية إلى العصور القديمة جدا، وترى السعودية أن في ظل التحديات الكبرى التي يشهدها الاقتصاد العالمي ان للقارة الأفريقية دورا مهما في التعامل مع تلك التحديات، والسعودية كانت من أوائل الدول التي طالبت بانضمام الاتحاد الأفريقي إلى العضوية الدائمة في مجموعة العشرين، كما تدعم السعودية استحداث مقعد إضافي لإفريقيا في المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، لتعزيز صوت القارة الأفريقية في المحافل الدولية، حيث تؤمن قيمة وجهات النظر المختلفة في تشكيل السياسات العالمية.
تنخرط المملكة في سباق الدخول الواسع في أفريقيا وتتجه نحو ضخ استثمارات ستغير قواعد اللعبة في افريقيا يعكس حجم مراهنة السعودية على
أفريقيا كوجهة اقتصادية واستثمارية وساحة للتنافس الدولي والإقليمي الذي تريد السعودية أن تكون طرفا مؤثرا فيه بعدما ظلت السعودية تتعامل مع ما يجري في القارة السمراء بحذر رغم تزايد نفوذ قوى إقليمية منافسة لها هناك مثل تركيا وإيران ولا تمتلك ما تمتلكه السعودية من إمكانيات أهمها الثقة التي تتمتع بها السعودية لدى دول القارة، وليس لها أي أطماع أيديولوجية مستثمرة تراجع قوى دولية مثل فرنسا، وعدم ثقة الدول الأفريقية في القوى الدولية والإقليمية وهي فرصة لتعزيز نفوذها في أفريقيا من دون وسطاء.
دخول السعودية القارة السمراء سيكون منافسا قويا لهذه القوى التي ستركز على الاستثمارات بما يتوافق مع رؤية 2030 التي يقودها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حيث بلغ إجمالي استثمارات السعودية في القارة السمراء حتى الآن نحو 73 مليار دولار وهذا الرقم مرشح للتصاعد بقوة خاصة في مجالات حيوية مثل التعدين، باعتبار أفريقيا تمتلك حوالي 30 في المائة من احتياطي الثروات المعدنية في العالم والزراعة والأمن الغذائي والطاقة التقليدية والمتجددة، إلى جانب قطاعات أخرى مثل السياحة والثقافة وصناعة الأغذية والطاقة.
تتطلع المملكة الى تعزيز القمة التي عقدت في الرياض والجهود الدولية الرامية لإيجاد حلول مبتكرة تساعد الدول الأفريقية على استغلال ثرواتها ومقدراتها الذاتية، بما يعظم الأثر الإيجابي لاستثمارات السعودية ومشاريعها التنموية في الدول الأفريقية على اقتصاد ومجتمعات هذه الدول، ويسهم في خفض نسب البطالة والفقر، ونقل تلك العلاقات لآفاق أرحب، والتأسيس لشراكة مثمرة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتنموية وتوثيقا للعلاقات بين السعودية والدول الأفريقية نظرا لأهميتها الجيوسياسية.
وقد أسست القمة 16 لجنة مشتركة ومجلسا إضافة إلى إبرام أكثر من 250 اتفاقية تعاون في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتنموية.
بذلك تؤدي المملكة دورا محوريا في مساندة الجهود الدولية والإقليمية الرامية لإرساء دعائم الأمن والاستقرار وحل النزاعات ومحاربة الإرهاب والتطرف وتحسين القدرات الأمنية للدول الأفريقية، وسبق أن رعت السعودية في جدة اتفاق سلام تاريخي بين أثيوبيا وأرتيريا، واليوم تقود اتفاق سلام بين الأطراف المتصارعة في السودان منذ مايو 2023 وحتى الآن، والسعودية قلقة حول الأحداث في النيجر والجابون وتداعياتها على أمن القارة والسلام العالمي داعية الجميع إلى تغليب صوت العقل والحكمة والمصالح الوطنية العليا، وحرصها على مصالح الشعب الليبي والحفاظ على مكتسباته الوطنية.
وحرصا من السعودية على دعم اقتصاد دول القارة الأفريقية أطلق صندوق الاستثمارات العامة السعودي عددا من المشاريع والأنشطة الاستثمارية في الدول الأفريقية في قطاعات التعدين، الطاقة، الاتصالات، الأغذية وغيرها، بإجمالي 15 مليار ريال.