أ.د.عثمان بن صالح العامر
هناك من الناس من قد تأتيه الشهرة - التي تختلف درجتها في مجتمعنا المحلي من شخص لآخر - ويمنحها من قبل الخاصة والعامة داخلياً وخارجياً تبعاً، جراء تميزه بين أترابه وفِي مجتمعه سواء في علم نافع أو عمل صالح أو مال حلال أو خدمة متفرِّدة أو معروف أسداه يريد به ما عند الله من ثواب أو حصوله على جائزة علمية أو يتسنّم منصباً رفيعاً أو يتوشح وساماً عالي القدر والقيمة، وآخرون يفتعلون الشهرة، يصنعون ويقارفون العجب العجاب بحثاً عنها بأي ثمن وعلى أي صورة، وهؤلاء حتى وإن كان لهم أتباع بالملايين فهم مرضى يلبسون ثوباً مشبوهاً، ضررهم في المجتمع أكثر من نفعهم، وخطرهم في الغالب يتعدى الدائرة القريبة منهم ليصل إلى جل البيوت ويؤثِّر في النفوس وربما زرع الحقد والغل داخلها خاصة بيوت الطبقة الفقيرة منها، التي ترى عبر مواقع التواصل الاجتماعي هذا المتفاخر بما يأكل ويلبس ويسكن ويركب ويسافر وهي مُعدمة لا يجد الواحد منهم ما يقتات به في يومه وليلته، وقد يفرّق هؤلاء المشاهير أصحاب الضجيج بين المرء وزوجه، وربما كانوا سبباً في إفساد الذرية على ولي أمرهم العاجز عن السفر بهم من أجل إسعادهم والتسنيب والتغريد حين سكنهم في الفنادق ذات الخمس نجوم وعند أكلهم في أشهر المطاعم العالمية المعروفة، والسلسلة تطول.
المؤسف أن هذا الصنيع قد يتعدى الافتخار بهذه الأشياء المادية إلى الدخول على الناس البسطاء الذين يغريهم البريق ويخدعهم السراب بالإضحاك، وجعل الأم أو الأب ميداناً للسخرية والاستهزاء، وهذا لون من ألوان العقوق الذي يجب أن يتشيم عنه الإنسان العاقل المدرك لعقوبة مثل هذا السلوك المشين، أو أن هذا الداء قد يدفع طالب الشهرة للاستعراض بالأبناء والبنات والإخوة والأخوات أو غيرهم، كل هذا من أجل تسويق الذات وكسب المال بعد نيل الشهرة التي صارت في أوساط الشباب والفتيات اليوم غاية لذاتها وليست تبعاً لميزة تستحق أن يشتهر بسببها الإنسان كما سبق أعلاه.
لقد قال رسول الله صلى الله عليه سلم في الحديث الذي رواه ابن عمر رضي الله عنهما: «من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، والثوب هنا ليس - في نظري - إلا مجرد مثال لكل ما من شأنه الإشعار بالاختلاف عن الغير بلا عمل إيجابي له مردوده الفعلي في المجتمع وعلى الناس.
الغريب أن نفراً من هؤلاء المشاهير الشهرة الكاذبة التي جلبت لهم المال والجاه والأتباع والمريدين اعترفوا على أنفسهم بأنهم لا يملكون أي محتوى معرفي يقدمونه للناس بقدر امتلاكهم مهارة التأثير على الغير وجذب الانتباه، يقولون هذا الاعتراف وهم يضحكون ضحكات هستيرية مشعرة للسائل والمشاهد العاقل أننا في زمن الإسفاف في السير على الهامش بهذه الحياة.
من يستحقون الشهرة الحقيقية هم ممن يقبعون في ثكناتهم العسكرية يحمون الثغور، أو يمضون الساعات الطوال من ليل ونهار في معاملهم وخلف أجهزتهم الحاسوبية وبين أرفف كتبهم أو داخل مصانعهم أو في عياداتهم الطبية لا يحظون للأسف الشديد من قبل العامة بشيء من الشهرة وربما يموتون ولَم يعرفهم منا أحد، فهم أبعد ما يكونون عن دائرة الضوء مع أن المؤسسات الرسمية قد تكرِّمهم، وأجهزة الإعلام الرسمية والخاصة قد تستضيفهم وتجري حوارات معهم ولكن دون أن يكون لهذا التكريم ولهذه الاستضافة أي أثر يذكر من قبل العامة سواء في الاحتفاء بهم أو إشهارهم والحرص على متابعة جديدهم والثناء عليهم والافتخار بهم والفرح حين مقابلتهم والتشرّف بالسلام عليهم، مع أنهم أولاً وأخيراً هم رمز الوطن وسلاحه المضاء ووجهه المشرق وركيزته الأساس لتحقيق تنمية فعلية شاملة ومتكاملة على ضوء وفِي إطار رؤية المملكة 2030 ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء، والسلام.