سطام بن عبدالله آل سعد
تُعد الأندية المستدامة معالم بارزة لأي بلد وفي مختلف الرياضات، حيث تعكس قدرتها على الاستمرارية في المنافسة والعطاء، وتقديم صورة مشرفة عن بلدانها. وهذا كله نتاج استراتيجية طويلة الأمد وتخطيط منظم لتحقيق النتائج المرجوة، وهو ما يجسد مفهوم الاستدامة في المجال الرياضي.
فمن خلال تحليلي لمجموعة من الأندية السعودية منذ نشأتها وحتى الآن؛ بهدف قياس مدى استدامتها في تحقيق البطولات، تبين أن هناك فروقات كبيرة بين نادي الهلال وبقية الأندية السعودية، بل وحتى الإقليمية (الخليجية والعربية) والقارية (آسيا)، ويُعزى هذا التفوق إلى عدة عوامل استراتيجية تم العمل عليها.
ولمعرفة أسباب ذلك التفوق، سنقوم بتحليل بعض البيانات باستخدام مؤشرات الاستدامة الرياضية، ومن ثم معرفة العوامل التي ساعدت في ذلك التفوق.
إن الأسلوب العلمي المتبع في هذا التحليل هو الأسلوب الكمي الذي يعتمد على جمع البيانات وتحليلها باستخدام النماذج الإحصائية والرياضية، مع تطبيق مجموعة من معادلات ومقاييس الاستدامة للتحقق من مدى استدامة النادي الشمولية.
مؤشرات الاستدامة الرياضية
تعكس تحليلات مؤشرات الاستدامة الرياضية، قدرة النادي في الحفاظ على مستواه العالي وتحقيق البطولات بانتظام عبر العقود. فعند استخدام مؤشر استدامة الوصول للنهائيات في الموسم الواحد (SIRF)، تبين أن الهلال قد وصل إلى النهائي في 114 مناسبة على مدى 67 عامًا، ما يعادل 1.73 مرة سنويًا، وهو أعلى من المعدل الطبيعي للاستدامة السنوية البالغة 1، ويشير ذلك إلى قدرة على الوصول إلى النهائيات بشكل مستمر. من جهة أخرى، تم استخدام مؤشر استدامة البطولات (CSI)، الذي يقيس قدرة الفرق على تحقيق البطولات بشكل مستدام، حيث بلغ مؤشر الهلال 3.45 وهو أعلى من المعدل 2، مما يدل على مستوى عالٍ من الاستدامة في البطولات على المدى الطويل.
أما مؤشر الهيمنة الجغرافية (GDI)، الذي يقيس السيطرة الجغرافية للنادي على البطولات المحلية والإقليمية والعالمية، فيبلغ 1.34، وهي قيمة أعلى من المعدل الطبيعي 1، وهذه القيمة العالية تشير إلى أن الهلال ليس فقط ناجحًا في البطولات المحلية، بل يحقق نجاحًا ملموسًا أيضًا في البطولات الإقليمية والعالمية. وفي مقارنة مع الأندية العالمية، نجد أن مؤشر الهيمنة الجغرافي للهلال (GDI) يضعه في مصاف الأندية الكبرى. فإذا أخذنا بالاعتبار عمر نادي الهلال ومنافسته على البطولات في ثلاثة اتجاهات جغرافية (محلية، إقليمية، وعالمية)، يبرز تفوقه مقارنةً ببعض الأندية الأوروبية القديمة التي تنافس في اتجاهين فقط، حيث تبلغ درجة ريال مدريد 1.38، وبرشلونة 1.36، وبايرن ميونيخ 1.43، مما يؤكد هيمنة الهلال محلياً وقارياً.
العوامل المساعدة
وبعد قراءة وتحليل تلك المؤشرات العالية، اتضح أن هنالك العديد من العوامل ساعدت وأثرت بشكل كبير في تحقيق تلك الإنجازات والهيمنة الجغرافية، وسنورد على سبيل المثال لا الحصر، العامل البشري كجزء من تلك العوامل. فلقد ساهم التنوع الكبير في اختيار اللاعبين السعوديين والأجانب وكذلك المدربين والرؤساء في تشكيل منظومة عمل ديناميكية حيوية هدفها الاستدامة في بلوغ منصات التتويج.
تشير نتائج التحليل لنوعية اللاعبين الأجانب ومدارسهم الكروية في نادي الهلال إلى تنوع جغرافي واسع يعزز من قوة الفريق وتنوعه التكتيكي. حيث تحتل أمريكا الجنوبية الصدارة بنسبة 45% تقريبًا، مع تمثيل كبير من البرازيل، حيث كان لها الحصة الكبرى بدايةً من بطل كأس العالم ريفالينو إلى النجم العالمي نيمار. تليها إفريقيا بنسبة 28 %، ثم أوروبا بنسبة 15%، وأخيرًا آسيا بنسبة 12 %. فهذه المنهجية في تشكيل المدارس الكروية توفر دعماً مستداماً للفريق بلاعبين ومواهب كروية للهلال.
وعلى صعيد اللاعب المحلي، يعتبر الهلال من أبرز الأندية في اكتشاف واستقطاب اللاعب السعودي الموهوب. فالسعوديون كانوا دائمًا ممكنين لنجاحات الهلال والمنتخب. فعبر تاريخه الطويل، كان النادي المصدر الرئيس للاعبي المنتخب. واستفاد الهلال من مهارات وإمكانات أكثر من 100 لاعب سعودي ساهموا بشكل كبير في تحقيق البطولات والإنجازات. فاستراتيجية الهلال في استدامة نجاحه ترتكز على تطوير أكاديمية النادي، التي تعد من أفضل الأكاديميات في المنطقة، والتي تعمل على استكشاف المواهب الشابة وتطويرها من خلال برامج تدريبية متقدمة، مما يتيح للاعبين السعوديين الوصول إلى أعلى مستويات الأداء، وبالتالي ضمان تدفق تلك المواهب باستمرار إلى الفريق الأول.
وعند الحديث عن المدربين، نجد أن الهلال يحرص على عدم حصر أسلوبه وتفكيره في مدرسة كروية واحدة، فنسبة المدربين من أوروبا هي 52.2% تقريباً، وتشمل مدربين من البرتغال، رومانيا، كرواتيا، بلجيكا، هولندا، ألمانيا، فرنسا، وإنجلترا. تليها أمريكا الجنوبية بنسبة 39.1%، مع مدربين من البرازيل، الأرجنتين، الأوروغواي، وكولومبيا، ثم آسيا بنسبة 6.5% وأفريقيا 2.2%.
هذه المدارس العالمية تتعامل بخطط هجومية مرنة، ومهارات فردية عالية، وتكتيك محكم، وتحولات سريعة في المراكز، وصلابة دفاعية، وتنظيم جيد، ولعب جماعي، مما أدى إلى ثقافة كروية للنادي وللاعبين باستيعاب كافة الأساليب والمناهج الكروية وتطبيقها بما يتماشى مع الخطط الاستراتيجية المستدامة للنادي.
قاد النادي 12 رئيسا رسمياً و5 رؤساء مكلفين عبر تاريخه الطويل، مما يعكس توازنًا بين الاستقرار الإداري والمرونة في التعامل مع الفترات الانتقالية. فترات الرئاسة الطويلة والمتتابعة للرؤساء الرسميين تدل على وجود استمرارية في القيادة واستراتيجية طويلة الأمد، حيث إن متوسط فترة تولي كل رئيس رسمي حوالي 5.6 سنة، مما يعكس مستوى عاليًا من الاستدامة الإدارية وقلة التغيرات الجذرية، مما نتج عن ذلك ثقة متبادلة بين الإدارة والجماهير كانت لها دور مهم وحاسم في نجاح النادي وتحقيق أهدافه المستدامة.
ويعد فهد بن نافل أبرز رئيس في نادي الهلال، فخلال السنوات الخمس الأخيرة حقق مع الفريق 11 بطولة ما بين محلية وقارية بمعدل 2.2 بطولة في السنة الواحدة.
وفي ضوء التحليل الشامل لمؤشرات الاستدامة الرياضية والعوامل التي ساعدت بذلك، يتضح أن النادي يتمتع بقدرة قوية في الحفاظ على مستواه العالي وتحقيق البطولات بانتظام، ويعود ذلك إلى تكامل وانسجام المدارس الكروية للمدربين، واستقطاب اللاعبين الأجانب والمحليين المتميزين، والاستقرار الإداري القوي، مكونةً بذلك منظومة عمل مستدامة ومرنة وقادرة على فهم واستيعاب كافة التطورات الرياضية ومواجهة التحديات بثبات.
أخيراً، الهلال ليس نادياً مستداماً فقط، بل هو نموذج حي للنادي الرياضي المستدام، مما يجعله مصدر فخر وإلهام لجماهيره ولكرة القدم السعودية بشكل عام.