م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1- ازدهرت مفاهيم «الشخصي جداً» و»البوح الحميم» في السير الذاتية المتأخرة.. حيث تم تقسيم الحياة إلى «عام» و»خاص».. وهما مجالان في كتابة السيرة الذاتية نادراً ما يكون الخروج عنهما.. وإذا كانت السيرة العملية هي من العام فإن الحياة الخاصة هي من الخاص الذي لا يبوح به إلا القلة.
2- السيرة الذاتية الخاصة تعمل في المجالين العائلي والشخصي.. وهما مجالان يحتاجان إلى قدرة عالية على البوح مع مهارة عالية على الكتابة والإبداع.. لهذا يعتبر الكثيرون الرواية إحدى أنواع السير الذاتية حيث يمكن البوح بالخاص بلا حذر.
3- في نظريته عن التحليل النفسي أدخل (فرويد) عالم النفس الشهير الجنس كجزء أساسي من الذات الخاصة للفرد.. التي من خلالها يمكن الحكم على نفسيته كون الجنس يعد النافذة الأكبر على اللاشعور.. وهذا النوع من السيرة الذاتية الخاصة لم يعرف قبل تدشين (فرويد) لنظريته في القرن التاسع عشر.. أما قبل ذلك فقد كانت هناك محاولات فردية لكتابة السيرة الذاتية الخاصة ولعل أشهرها كتاب «اعترافات» (جان جاك رسو).
4- في السيرة الذاتية الخاصة قد ينحو الكاتب إلى التواضع ويتذكر الحماقات والأعمال الرعناء التي ارتكبها في حياته.. وقد يورد قصصاً فكاهية مسلية.. أو حتى استخفافية بأنفسهم حينما كانوا صغاراً.. أما السائد الأعم فهو القول بأنهم كانوا أطفالاً عاديين، أو ذوي اعتلال صحي في طفولتهم، أو عانوا من اليتم أو الفقر.. أو مواقف محرجة وقعوا فيها.. رغبة في إضفاء روح التواضع على السيرة.
5- قدم (ابن حجر العسقلاني) لنفسه في كتابه «رفع الإصر عن قضاة مصر» بضمير الغائب فقال: (... نشأ يتيماً، ولم يدخل «الكُتَّاب» حتى أكمل خمس سنين، ولم يكمل حفظ القرآن حتى بلغ تسع سنين، ثم لم يتهيأ له أن يصلي بالناس التراويح إلا وقد أكمل اثنتي عشرة سنة).. قدم ابن حجر لإنجازاته العقلية بتواضع ماهر.. فقد أوحى للقارئ أنه مستبعد عن أي توقع بالتفوق.. لأنه يتيم أو بطيء الفهم.. فهو يتيم ولم يدخل الكتاب إلا في الخامسة.. ولم يكمل حفظ القرآن إلا في التاسعة.. ولم يُصَلِّ بالناس التراويح إلا وهو ابن اثني عشر عاماً! إنها أرقام باهرة لكنه يقدمها وكأنها منجزات ضعيفة.
6- في كتابة السيرة الذاتية الخاصة كان للمنامات والرؤى ذكرٌ متكررٌ تاريخياً.. وتم استخدامها كنوع من سلطة شهادة خارجية تؤكد ما لا يستطيع قوله المؤلف صراحة باسمه.