عبدالمحسن بن علي المطلق
حين يتوفى غالٍ على أحد الغالين عليك.. فلا بدّ من مشاطرته بقدرات ما لديك، فذاك شيء (لا كل) حقّه عليك.
وإلا فما هي المعزّة التي بداخلك له، وما كننها.. وأنت تراه وجزء من حياته يُفقد- أحد الوالدين-، ثم لا تسنده بطفيف مشاعر أملاً أن يُخفف عنه؟، فالعلاقات لا تقوم على الماديات، بل إن معنوياتها أكبر رافد يمـدّ جنباتها.
.. ما تقدم ليس له من دواعٍ سوى إقرار لإثبات الثابت، لكن أحايين تحتاج مؤونةً لمدادك من مرامٍ هي الأدعى، بخاصة والمستدعي ليس خطبا عاديّا، لأن كل فراق هو (ثقيل)، ما لا حاجة لجلاءٍ عن هذا.
فكيف بفراقُ من كان سببا بعد الله وجودك بهذه الحياة، فأنت تفقد ما لا يشبعه العبير مهما سطّرت عنه، ولا يكافئ النسج تأثيره مهما حبّرت، ولا يوازيه بديعٌ مهما اشتققت
وبالمناسب فقد تذكرت لأبي الطيب ( راثيا والدة الأمير الحمداني):
صلاة الله خالقنا حنوط
على الوجه (المكفّن) بالجـلال
على المدفون قبل التُّـرب صونا
وقبل اللّحد في كرم الخلال
ثم لما أن الأم -يا قوم- هي بلا مُنازع طعم الحياة الذي يزداد مع تقدّم العمر، ويا للمفارقة!
فأنت كل ما تكبر تعرف قدرها أكثر، وبالتالي يزداد وثاق ما بينكما، لا كما يظن من لم يؤت من البرّ نصيبا وافراً أن المرء إن اشتدّ عوده أمست حاجته لأحد والديه شكلية، لا يعدو بند العون المالي، أو الاستشاري أحدهما غاية الطلبِ!
بل إن جلسة في جزئية من ليل أو نهار بين يدي أحدهما تشبعك بعطاء داخلي عميق.. ويكفي أنك تتلهف لهذا وأنت للتوّ غادرت المكان، فكم ممن ودّع فعاد مرة أخرى عاجلا ليعانق..
هكذا نحن وعلى هذا نُسجنا ماديا، ومعنويا، والأخيرة قد تقف المشاعر بالحديث عما بداخلك إن تحجّرت الكلمات، أو لم تجد بينها من الجمل ما يوازي الظرف.
واليوم «عديلي» ومقام أخي سليمان بن علي التويجري يواري والدته الثرى، وبالتأكيد قلبه لم يطاوعه.. لكن كأن خفف «أحمد شوقي» رحمه ربه بتسويغ بليغ..
(آل زغلول) حسبكم من عزاء
سـنّـة الموت في النبيّ وآله
فالسنّة -تلك- مضت على الكبائر والصغائر، كما أخذت القريب قبل البعيد، وحالنا معها وردة فعلنا كما مضى (خُلُقُ الأوَّلِينَ )، أي هي عادتهم وأخلاقهم.
فهذا الـ(كوب) كلٌ يوما شارب منـه!، فما في المنطق بعد هذا سوى التسليم إيمانا بمن كتبه - سبحانه- على الخلائق، ورضاء بما قدّر، أن عسى عندئذ ننال وعد المولى تعالى.. بحديث قدسي أخبر به صلى الله عليه وسلّم وهو بأبي وأمي الصادق المصدوق عن ربّـه (يقولُ اللَّهُ تَعالَى: ما لِعَبْدِي المُؤْمِنِ عِندِي جَزاءٌ، إذا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِن أهْلِ الدُّنْيا ثُمَّ احْتَسَبَهُ، إلَّا الجَنَّةُ) رواه البخاري رحمه الله.
ألا وأي خليل كـ(الأم).. التي يقف مثل شامي مُستقصيا جماع المعاني (ما بعد الأم ..أحفر وطمّ)، أي لن تجد بعد فراقها «صدر» تودع به آلمك، وتلتمس عنده ما يخفف جراحك من أعطاب دنيا أوجز عنها خالقها لهذا المخلوق (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ)..
فعظّم الله أجركم «أبا علي» وأهلك وذويك بـ( نبع الحنان)، ورحمها الملك المنان، وجعل قبرها من رياض الجنان.
قفل.. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.