د. محمد بن إبراهيم الملحم
ما هو دور حارس المدرسة في العملية التعليمية؟ لا شك أن له دوراً مهماً، ولا يمكن أن نقلل من شأن أي شخص يعمل داخل حرم أي منظمة تعليمية، وطالما سئلت بعد أن انتقلت من عملي كمعلم إلى عمل مشرف تربوي: أيهما أكثر راحة؟ فكنت أجيب بكل بساطة: إنه العمل الذي تقرر أن لا تجتهد فيه ولا تؤدي الأمانة، حتى لو كان عملك حارس مدرسة، فإن لم تجتهد سترتاح وإن اجتهدت ستجد أنك مشغول أغلب الوقت، لقد مرت علينا حالات لحراس يعملون بجد واجتهاد، فبالإضافة إلى اهتمامه بحراسة بوابة المدرسة فهو يجتهد في مراقبة الأطفال عند الخروج بل يعلم عن بعض أحوالهم، كما تجده دوماً يتأكد أنه لا يوجد ما يريب بشأن سلامة أي منهم، وتجد أحدهم لو شك في حدث قريب منه أثناء تواجد الطلاب أو الأطفال يبادر بالذهاب إلى هناك ليتعرف ما الوضع ويشارك في وضع حل بين الطلبة. ولقد جاءني ذات مرة حارس مدرسة عندما كنت مديراً للتعليم طالباً زيارتي ولديه مخطط قام برسمه يشرح لي فيه كيف أن مدرستهم تقع على شارعين وطريقة اتجاه حركة السيارات لاستلام البنات عند خروجهن تسبب ازدحاماً يومياً، كما أن فيها خطراً على الطالبات اللاتي يذهبن مشياً على الأقدام لمنازلهن القريبة، كما أنها تسبب مشكلة لخروج الحافلات من المدرسة أيضاً، وقدم اقتراحاً لتغيير الحركة يحل هذه المشكلات، وقد أكبرت فيه هذه الهمة والنشاط والاهتمام والمبادرة علماً أنها ليست من واجباته المعتادة، ولكن الضمير الحي يأبى على صاحبه، وكأني بهذا الحارس يعاني يومياً وهو يرى الازدحام يحدث بطريقة غير مناسبة تماماً، ويمكن تفاديها بتطبيق فكرة بسيطة، ولا يبقى إلا أن يقابل صاحب الصلاحية ليضعها موضع التنفيذ.
أجزم أن كثيراً من القراء ذوي العلاقة بالعمل المدرسي لديهم أمثلة مشابهة، ومن جهة أخرى فإن ما يحمله الحارس من قيم تربوية وتمثل للقدوة هو أيضاً جانب مهم لقيامه بدوره في تحقيق أهداف المدرسة، وقد قيل لي عن حارس مدرسة ثانوية مستعد أن يسمح للطالب بالخروج (التزويغ) أثناء اليوم الدراسي إذا منحه ريالاً أو سيجارة، كم يسبب مثل هذا التصرف من هدم للأخلاق وتشجيع للسلوك غير السوي بين الطلبة، فهو لم يحرس بوابة المدرسة ولم يحرس بوابة الأخلاق معاً، وتجد في المقابل حارساً يُقتدى به في أخلاقه وطريقته الطيبة في التعامل والاهتمام والرعاية، وأمثلتهم كثير -ولله الحمد-، والقضية الكبرى التي ينبغي أن نتناولها هنا هي: ما هو نصيب هذه الفئة من التدريب والتأهيل التربوي، فمع إيماننا بالدور الذي يمكن أن يتركه السلوك التربوي للحارس على طلاب المدرسة ينبغي لنا أن لا نترك ذلك لاجتهاده الشخصي فقط، فمسئولية البيئة المدرسية هي مسؤولية المؤسسة التعليمية، وينبغي أن تعمل على هندستها وصناعتها الصنعة المتقنة والشمولية، ومن ضمنها تأهيل حارس المدرسة بالتوعية والتدريب على المفاهيم التربوية لتصله رسالة المؤسسة فيما يتوقع منه في حراسة البعد التربوي، وأن الأمر لا يقتصر على حراسة أمن المدرسة المادي فقط.
قد يكون الحارس خامة طيبة قابلة لتشرب مثل هذا التأهيل، ولكن إذا لم يتوافر له ستبقى شخصيته محايدة تربوياً أو ربما تميل إلى الجانب السلبي دون وعي منه، فتفوّت المؤسسة التعليمية فرصة بنائية لأحد أفرادها كان يمكن أن تجني منه شيئاً من الأثر المفيد بمجرد جرعات من التوعية والتأهيل لا أكثر.
** **
- مدير عام تعليم سابق