د.محمد سليم
كان ذلك في شهر أغسطس من عام 2022 حيث أمطرت السماء مدرارا، وانهمرت الأمطار لأيام متتالية، فامتلأت الأنهار، وتدفقت المياه من فوق الجبال، وسحت الوديان، وضربت الفيضانات مناطق شاسعة في البلاد فأغرقت زهاء ثلث مساحتها الأرضية في المياه، وتلاقت مياه السيول مع مياه الأمطار المنهمرة ما فاقم الوضع، وغدت المياه راكدة لأسابيع متعاقبة لا تكاد تنحسر، ما أجبر الزواحف والحيوانات على النزوح ومشاطرتها العيش مع البشر في اللجوء إلى المرتفعات تأوي إليها فرارا من بحار المياه المتزايد منسوبها باستمرار، وعانت المجتمعات بسببها ويلات الأضرار المادية والاقتصادية، حيث تضررت المزارع، ونفقت الحيوانات، وفقد المئات من الناس أرواحهم، ووفقا للإحصائيات الحكومية فقد طالت الفيضانات 33 مليون نسمة، وتلت الفيضانات الأمراض الناتجة عن المياه الراكدة والآسنة من الكوليرا، والملاريا والجرب وغيرها.
وعودة إلى العام الجاري فرأينا في شهري مايو ويونيو أن موجات الحر الشديدة ضربت المنطقة، فالسماء تكاد تتميز غيظا، وتلسع البسيطة بشواظ من النار، وحصدت أرواح بعض البشر، وترامى إلى الأسماع أنباء موت الطيور، وسقوط القرود من الأشجار مغمى عليها من شدة الحر والجفاف، وارتفعت درجات الحرارة حتى في المدن الساحلية مثل مومباي التي عادة ما تشهد جوا معتدلا، ما جعل الرجال يستغربون الحر الشديد الذي لم يتعودوا عليه، فوقع بعضهم ضحايا الطقس الحار، وتأخر هطول المطر، فأخر المزارعون زرع حقولهم، وتقلصت المنتوجات، وراج تفشي الغلاء الفاحش، وازدادت أسعار الحبوب الغذائية، وتضاعف استهلاك الكهرباء ما نجم عنه الانقطاعات المتقطعة لها وحتى في المدن ناهيك عن تأزم الوضع في القرى البعيدة.
الفقرتان السابقتان تبدوان كما لو كانتا شريطين سينمائيين يصوران أحداثا خيالية، غير أننا ما قرأناه ليس من صنع الخيال، بل هو تجسيد للواقع المعاش، فالفقرة الأولى تصور لواقع عاشه الباكستانيون قبل سنتين حيث ألفوا أنفسهم في مواجهة فيضانات هائجة حصدت الأخضر واليابس، والفقرة الأخيرة تعكس الواقع الذي يعيشه الهنود هذا العام إذ وجدوا أنفسهم محاطين بخطر بيئي جسيم يحدق بهم إذ لفحت جلودهم موجة الحر الشديدة، فجعلتهم محبوسين في ديارهم. والسبب الرئيس الوحيد الذي يراه الخبراء يجمع بين الحالتين - وقوع الفيضانات وموجات الحر - هو تغير المناخ الذي بات يشغل هموم الخبراء والنشطاء البيئيين وقادة الفكر الدوليين الذين يرون فيه خطرا كبيرا يحدق بالبشرية، ووفقا للتقارير الدولية مثلما الذي أصدرته منظمة البنك الدولي، فإن منطقة جنوب آسيا تعد واحدة من أكثر المناطق تضررا بالكوارث البيئية الناجمة عن تغير المناخ مما قد يؤدي إلى حدوث أعاصير مدمرة، وفترات الجفاف والقحط الممتدة إلى جانب الأضرار الاقتصادية الجسمية.
ونظرا لذلك، فمن المحتم أن ينبري الرجال في جنوب آسيا - قادة وشعوبا- لاتخاذ خطوات جريئة ومبتكرة للحد من تداعيات تغير المناخ، والعمل المشترك على إيجاد حلول بيئية مستدامة.
** **
- باحث وأكاديمي هندي