أ.د.عثمان بن صالح العامر
قرر (أفلاطون) الفيلسوف اليوناني المعروف بعد تفكير طويل تأسيس جامعة سماها (أكاديمية)؛ لتخرج جيلاً كاملاً من الأكاديميين - الفلاسفة - المؤهلين لبناء مدينة فاضلة يحكمها العقل. وكانت الرؤية التي قامت عليها هذه الأكاديمية الفصل بين طبقات المجتمع الثلاث حسب تصنيف أفلاطون.
- (العوام) المشغولون بتلبية غرائزهم والوفاء بمتطلبات حاجاتهم البشرية.
- و(الجند) القوى العضلية التي تحمي الدولة.
- وفوق هذه وتلك طبقة (الأكاديميون - الفلاسفة) أصحاب القوة العقلية، وهم في نظره - الأسياد الذين لا يجوز أن يشتغلوا بأيديهم بل يكتفوا بإعمال عقولهم، وحقهم (الرفاه الاقتصادي)، والمنزلة الأسمى في المجتمع المتصور في الفلسفة الأفلاطونية.
أظن شخصياً أن هذه النظرة للأكاديميين ما زالت هي المعششة في ذهنية البعض ممن لا يعرفون واقع هذه الطبقة على وجه العموم. يعتقدون أن مجتمع الرفاه هو المجتمع الأكاديمي في الجامعات (المصطلح الافلاطوني الصرف). فهم في نظرهم أفضل الطبقات حياة، وأرغد الناس عيشاً، وأكثر الموظفين والعاملين دخلاً.
هذه النظرة ليست صحيحة على وجه العموم باستثناء عدد محدود من التخصصات العلمية النادرة، فهناك شريحة عريضة في المجتمع الأكاديمي ما زالت عاجزة عن الوفاء بمتطلبات الحياة الأساسية فضلاً عن أن ترقى ليتحقق لها عالم الرفاه، وإن صح هذا الربط في حق عدد من الأكاديميين فليس لأنهم ينتمون إلى هذا المجتمع (العقلي) في مقابل (العضلي والغرائزي) في نظر أفلاطون، ولكن لأنهم كانوا عواماً في ضربهم بالأرض لتلبية غرائزهم الجبلية، فكان منهم السعي للمال، واللهث وراء غريزة حب التملك، وربما عملوا بأيديهم، وحرَّكتهم عواطفهم ورغباتهم الفطرية، كدوا وكدحوا خارج أروقة مدنهم الأكاديمية مع عامة الناس دون أن ينتقص ذلك من قيمتهم الأكاديمية ولا يقلل من قدرهم ومنزلتهم المجتمعية، ولذلك فلتنزعوا عن أذهانكم الصورة الأفلاطونية عن الأكاديمي، وعن احتقار العمل اليدوي وربطه طبقياً بالعوام والبسطاء والدهماء على خطى هذا الفيلسوف، ولا تنتظروا من الأكاديمي أن يأخذكم معه لعالم الرفاه، فالرفاه الاقتصادي قرين العمل الجاد الذي تتكاتف فيه قوى الإنسان الثلاث لدى أفلاطون ("الشهوانية" التي تتمثل في الغرائز والحاجات التي تدفع للعمل والإنتاج، والقوى "الغضبية" التي تتمثل في العضلات والشجاعة والقوة، ثم "القوى العاقلة" المتحكمة في القوتين السابقتين)، والأرقام تدلل، والواقع يثبت، وإن تجمل الأكاديميون، وادعوا الثراء، وأشعروا من حولهم بأنهم الطبقة التي تنعم بالرفاه الاقتصادي على الدوام، فهم في الغالب ليسوا كذلك، دمتم بخير وإلى اللقاء والسلام.