العقيد م. محمد بن فراج الشهري
ابتلي العالم شرقه وغربه شماله وجنوبه منذ ظهور السوشل ميديا ومشتقاتها بكم هائل من الأخبار الكاذبة (Fakenews) والمضللة (Misinformation) والتي غالباً ما تكون أكثر انتشاراً على شبكة الإنترنت، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي من الأخبار الصحيحة ذات المصدر الحقيقي، وغالباً ما يتردد صدى هذه الأخبار على أنها معلومات مضللة في وسائل التواصل الاجتماعي ولكنها تجد طريقها إلى الإعلام الرئيسية أيضاً وبشكل جعلها إحدى المصائب التي ابتليت بها كثير من الدول والهيئات والمؤسسات والمجتمعات العالمية حيث إنها تكتب الأخبار المزيفة وتنشرها عادة بهدف التضليل من أجل إلحاق ضرر بوكالة أو دولة أو كيان أو شخص.. أو تحقيق مكاسب مالية، أو سياسية وغالباً ما تستخدم عناوين مثيرة أو غير أمنية أو ملفقة لزيادة القراء. وبالمثل، تكسب روابط القصص والعناوين الجاذبة للانتباه إيرادات الإعلانات من هذا النشاط..
والمعلومات المضللة هي معلومات خاطئة أو غير دقيقة ينقلها شخص ما أو جهة ما بغض النظر عن أهدافه أو نيته في التضليل والخداع ومن أهم الأمثلة عن المعلومات المضللة: الإشاعات الكاذبة، والإهانات، واختراع كل ما يحط من اسم وسمعة الجهة المقصودة، ويتمثل الهدف الرئيسي من ذلك إثارة الخوف، والبلبلة، والشك بين عموم الناس حتى يمكن أن تصبح الأخبار والسخرية، والتهكم من موضوع معين معلومات مضللة إذا حكم عليها الجاهل بأنها ذات مصداقية، ونقلها حرفياً كما لو كانت صحيحة، وقد ارتبط مصطلح المعلومات المضللة بتعبير (الأخبار المزيفة) والتي يعرّفها بعض العلماء على أنها معلومات كاذبة تحاكي محتوى الإعلام الإخباري في شكلها العام، وليس في طريقة نشرها وأسلوب تنظيمها.
ويعد تاريخ المعلومات المضللة، أو المزيفة، أو الكاذبة يعد جزءاً من تاريخ الاتصال الجماهيري ومن الأمثلة المبكرة التي استشهد بها روبرت دارنتون Robert Darnton في مقال نشر في عام 2017م: الإهانات، والتشهير المنتشر بين المنافسين السياسيين في عهد الإمبراطورية، وعصر النهضة في إيطاليا، وفي فرنسا في عصر ما قبل الثورة، كما ساهم انتشار الطباعة الآلية على يد يوهان غوتنبرغ Johannes Gutenberg في أوروبا، وأمريكا الشمالية في زيادة فرص نشر معلومات كاذبة ومضللة وفي عام 1835م نشرت صحفية نيويورك صن The New York Sun أول خدعة إخبارية واسعة النطاق عرفت باسم (خدعة القمر العظيم) وكانت عبارة عن سلسلة من ستة مقالات تدعي أنها تصف الحياة على القمر مع رسوم توضيحية لمخلوقات بشرية صغيرة زرقاء،كما أدت وتيرة العمل السريعة أيضاً إلى نُسخ مليئة بالأخطاء ومن أشهرها عنوان صحفية شيكاغو تريسيون عام 1948م (ديوي يهزم ترومان)، أما في عصرنا الحاضر عصر المعلومات فقد أصبحت مواقع وسائل التواصل الاجتماعي ناقلاً بارزاً للمعلومات الخاطئة والأخبار الزائفة، والدعايات كما ساهمت بشكل خطير في سرعة انتشار مثل هذه الأخبار مقارنة بوسائل الإعلام التقليدية بسبب نقص التنظيم وعدم تدقيق المعلومات قبل الشر، وتوفر هذه المواقع للمستخدمين قدرة على نشر المعلومات بسرعة إلى مستخدمين آخرين دون الحاجة للحصول على إذن محرر أو مدقق يطلب تأكيداً لدقة المعلومات قبل السماح بنشرها. ويتعرض الصحفيون اليوم لانتقادات بسبب مساهمتهم في نشر معلومات كاذبة على هذه المنصات الاجتماعية، ولكن من جهة أخرى أظهرت أبحاث عديدة أن الصحفيين يلعبون أيضاً دوراً في الحد من انتشار المعلومات المضللة على وسائل التواصل الاجتماعي من خلال فضح الشائعات الكاذبة، والمعلومات المضللة.. وتشير العديد من الأبحاث إلى أن أهم العوامل التي تساعد في التعرف على المعلومات الخاطئة وتمييزها هي مقدار التعليم الذي يتمتع به الشخص المتابع ومحو الأمية المعلوماتية التي يمتلكها، هذا يعني أنه إذا كان لدى الشخص معرفة أكبر بالموضوع الذي يحقق به، أو كان على دراية بكيفية البحث عن المعلومات وتقديمها، فمن المرجح أن يتصرف على المعلومات الخاطئة ويكشفها، ولكن فيما تشير الأبحاث السابقة حول الموضوع إلى أنه قد يكون من الصعب للغاية التراجع عن آثار المعلومات المضللة، أو الكاذبة بمجرد أن يعتقد الأفراد أنها صحيحويمكن أن يؤدي التحقق من المعلومات إلى نتائج عكسية، وأن محاولة تصحيح الاعتقاد الخاطئ أمر صعب لأن المعلومات المضللة قد تناسب الأسباب التحفيزية أو المعرفية لشخص ما، تشمل الأسباب التحفيزية الرغبة في الوصول إلى نتيجة حتمية، وكذا تقبل المعلومات التي تدعم هذا الاستنتاج، قد تمثل الأسباب المعرفية في حقيقة أن المعلومات المضللة توفر دعائماً لحدث أو ظاهرة، وبالتالي فهي جزء من النموذج العقلي، الذي يجب مراعاته، وفي هذه الحالة من الضروري تصحيح المعلومات المضللة أو المكذوبة ليس فقط من خلال نفيها أو دحضها، ولكن من خلال توفير معلومات دقيقة مضادة تحل محلها وأحد الحلول المقترحة التي من شأنها أن تركز على الوقاية الأولية من المعلومات المضللة هو استخدام آلية إجماع للتحقق من دقة المعلومات مع إزالة المحتوى الذي يحدد على أنه خاطئ، أو مضلل.
ورغم ما سببته وسائل التواصل الاجتماعي من رعاية وانتشار لهذه الأخبار التي أفسدت كثيراً من الأمور إلا أنها ليست وليدة اليوم، بل يقرن تاريخها بتاريخ الأخبار نفسها، حيث على سبيل المثال في نهاية القرن التاسع عشر انتشر مصطلح (الصحافة الصفراء) وهو تجسيد لمفهوم الأخبار الزائفة، وتقوم الصحافة الصفراء على مبدأ تضخيم الحقائق، والمبالغة فيها أو محاولة تشويهها وفقاً لمصالح معينة تكون إما ضد أشخاص معينين، أو في سبيل مصالح سياسية أو اقتصادية، أو حتى مجتمعية، وأعيد مصطلح الأخبار الزائفة إلى الواجهة في السنوات الأخيرة خصوصاً بعد انتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، الذي صرح في إحدى مقابلاته مع الشبكة الإخبارية الأمريكية (CNN): لست أنا المسؤول عن اختراع مصطلح (الأخبار الزائفة) فكل ما فعلته هو جعل هذه العبارة أكثر وضوحاً، لأن مجتمعنا للأسف، يعج بهذا النوع من الأخبار وهذا مؤسف حقاً).