د.محمد بن عبدالرحمن البشر
منذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي تقريباً، أي قبل أقل بقليل من مائتي عام، أصبح هناك حزبان ينافسان في الولايات المتحدة الأمريكية، أحدهما الحزب الجمهوري والآخر الديمقراطي، وقد تغيرت بعض من مفاهيميهما عبر هذه السنين الطويلة طبقاً للتغيرات المحلية مثل العبودية والحقوق المدنية، أو الخارجية مثل الحربين العالميتين الأولي والثانية، والحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي، وبعد الحرب العالمية الثانية وتنفيذ وعد بلفور بإعطاء وطن قومي لإسرائيل على أرض الواقع في عام ألف وتسعمائة وثمانية وأربعين من قبل بريطانيا والغرب المنتصر، أصبحت الولايات المتحدة بحزبيها الداعم الرئيس للكيان الجديد على أرض فلسطين، وأضحت اللجنة العامة الأمريكية الإسرائيلية المعروفة اختصاراً بـ«ايباك»، التي أنشئت عام ألف وتسعمائة وأربعة وخمسين ذات تأثير فعَّال وقوي في توجيه السياسة الأمريكية حول الشرق الأوسط، ورسم خط داعم دعم مطلقا لإسرائيل لا يمكن لأي من الحزبين تجاوزه، بل إن التنافس بينهما يكون في أيهما أكثر دعماً. بعد بروز الصين قوة اقتصادية وعلمية هائلة، اتخذ الحزبان موقفاً واضحاً للحد من نفوذها الاقتصادي والسياسي، والعمل على عرقلة حصولها على التقنية الحديثة.
يقود الحزب الجمهوري اليوم دونالد ترامب، وهو غني عن التعريف، فهو رئيس سابق، ورجل أعمال معروف، يتميز بقوته في مواقفه، وتصريحاتها النارية، شعبوي الخطاب، يحظى بدعم سكان الريف، والبيض، والإنجيليين، ورجال الأعمال، ويعتبر في أقصى اليمين من الحزب، يميل إلى تخفيض الضرائب، ويقف موقفاً صارماً من الهجرة غير الشرعية، كما يقف ضد الإجهاض، وزواج المثليين، ويسهل اقتناء السلاح للأفراد، وله مواقف من وجوب دفع الدول والمنظمات للخدمات التي تقدمها لهم الولايات المتحدة الأمريكية مقابلاً مالياً مناسباً، فهو يطالب الدول الأعضاء في الناتو بدفع الالتزامات المترتبة عليهم، كما يرى أن دفع الأموال للأمم المتحدة لا بد له أن يكون منسجماً مع مواقفها من المصالح الأمريكية، ويطلب من الدول الحليفة مثل اليابان، وكوريا الجنوبية، وتايوان دفع مبالغ مقابل ما تقدمه واشنطن، وهو واضح في دعمه القوي لإسرائيل بغض النظر عن ما يقوله القانون الدولي، كما يقف بصرامة ضد نفوذ الصين، وقد انسحب أثناء رئاسته من الاتفاق النووي الإيراني.
الرئيس الحالي جو بايدن، يقود حتى الآن الحزب الديمقراطي، وهو طويل الباع في السياسة، فقد كان أصغر سيناتور، وأكبر الرؤساء سناً، هزم ترامب في الانتخابات الماضية الصاخبة، ليس له قوة الشخصية التي يتمتع بها خصمه ترامب، ليس له كفاءة كافية في الحسم مثل الرئيس السابق ترامب، وعد بالعودة إلى الاتفاق النووي، وناور في الأخذ والرد دون حسم، أو استخدام أدوات ضغط كافية لردع إيران من رفع نسبة التخصيب، ودخل في حرب روسيا وأوكرانيا، ولم يحسم، وفي القضية الفلسطينية لم يلغِ موافقة ترامب على ضم القدس والجولان، ويقول شيئاً فيما يخص غزة وترك لإسرائيل فعل ما تشاء، أعلن رغبته في إعادة انتخابه رئيساً، دون رغبة المؤثرين في الحزب لكن العرف في الحزبين أنه من غير المناسب الدخول في منافسة مع رئيس سابق في الحزب، والأمور جرت بغير ما يشتهي، ولكن بما يتوقعه الكثير، فأخذت استطلاعات الرأي تبرز البون الشاسع بينه وبين الرئيس السابق ترامب، ثم حصلت المناظرة التي سمحت للكثير من أعضاء حزبه بالمطالبة بانسحابه، وتوقف الداعمون، وقال كبار أعضاء الحزب كلمتهم، وانسحب من السباق دون رغبته، بقي علينا أن نقول إن علاقة المملكة العربية السعودية مع الحزبين جيدة، ومتوازنة، ومبنية على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل.