خالد بن حمد المالك
لا يفصل بين قتل إسرائيل لشكر أبرز العسكريين في حزب الله، وهنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس سوى ساعات، الأول تم بهجوم على ضاحية بيروت معقل حزب الله دون أن تتصدى له أسلحة حزب الله، والثاني نفذ في قلب طهران بينما كانت قوات الأمن الإيرانية في حالة سبات.
* *
هذا السيناريو تكرره إسرائيل، فتلاحق خصومها أينما كانوا، وتعطي نفسها الحق في اصطيادهم حتى وهم في حماية هذه الدولة أو تلك، مستبيحة حرمة أراضي غيرها، وممارسة لما يخالف الأعراف والقوانين الدولية كما حدث في طهران وبيروت.
* *
قبل الحادثين - الجريمتين- تذكروا أن طهران كانت توعّدت إسرائيل بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي إذا ما تعرض حزب الله إلى عدوان من إسرائيل، لكنها - كالعادة- اكتفت بالتنديد، ثم انشغلت بهمومها، واستباحة أراضيها، وقتل من كان في حمايتها زائراً للمشاركة في تتويج الرئيس الإيراني الجديد.
* *
حزب الله كان قد توعَّد هو الآخر إسرائيل بأنها سوف تدفع الثمن غالياً، إذا ما فكرت في عدوان عليه وعلى لبنان، لكن إسرائيل لا تعترف بلغة التهديد الكلامي المعتاد من حزب الله وغيره من الوكلاء، وتفعل وقد فعلت ما ترى أنه يضعف خصومها، ويعزِّز من استمرار تفوقها.
* *
حدثان خطيران مسّا سيادة لبنان وإيران، وردود الفعل حتى الآن لا يتجاوز أن إيران في حالة تحقيق لمعرفة كيف حدث ما حدث، وأن قيام إسرائيل بهذا العدوان ناتج عن عجزها في مواجهة المقاومة، بينما كان الموقف لدى حزب الله صمت ووجوم، وتعمد بعدم الاعتراف بمقتل القائد العسكري الكبير عضيد حسن نصر الله، إلا بعد مضي 24 ساعة.
* *
وعلى كثرة القتلى من الإيرانيين في إيران وسوريا والعراق وحزب الله في لبنان وسوريا، بفعل فاعلين إسرائيليين وهو معلن، فإن قائداً سياسياً أو عسكرياً واحداً لدى إسرائيل لم يتعرض حتى لمحاولة لتصفيته انتقاماً للقتلى في صفوف الإيرانيين والعراقيين والسوريين واللبنانيين والفلسطينيين، ما يعني أن هناك خللاً أمنياً في الجانب العربي الإيراني، وتحصيناً بامتياز لدى الجانب الإسرائيلي.
* *
شخصياً لا أعرف ماذا ستفعل إيران وحزب الله وحماس في ضوء هذه التصفيات الجسدية لشخصيات مهمة، وهي التي لا نتذكر لها إنجازاً يماثل إنجازات العدو الإسرائيلي في كل حروبه ومصادماته مع هؤلاء، وخاصة أننا الآن أمام جريمتين كبيرتين، وعدوان على أراض تتمتع بالاستقلال، ولها الحق في الدفاع عن أرضها.
* *
أحياناً أشعر بأن الصراع مع إسرائيل وكأنه مفتعل، فإسرائيل تزيد أولاً من مكاسبها في كل معركة، وإسرائيل لا تأبه ثانياً بالتهديدات الإيرانية ووكلائها في المنطقة، وإسرائيل للمرة الثالثة تؤكد على أنها سوف تلاحق كل من يؤذيها وتفعل، في المقابل فالطرف الثاني إيران والوكلاء يكتفون بالتنديد الكلامي ودون انتقام.
* *
وما حدث في إيران ولبنان فرصة لمعادلة جديدة للحرب، دون حاجة للتهديد بتوسيع رقعة الصراع في مناطق ليست طرفاً في جرائم إسرائيل، ولا سبباً في حروب ضد تل أبيب دون أن يسبقها استعداد وتجهيز، لأن مثل هذا الطرح هروب من المواجهة مع عدو لا يتردد في الاعتداء والاعتراف بذلك.
* *
عندما قتل شكر وهنية، بدأ الإسرائيليون في توزيع الحلوى ابتهاجاً بالجريمتين، وفي طهران انشغلوا بتنظيم مراسم شعبية ورسمية لتوديع جثمان هنية، أما في لبنان فقد أعلن عن خطاب سوف يلقيه أمين حزب الله حسن نصر الله ليكرر به ما اعتاد عليه من تهديد ووعيد، دون أن تأخذ تل أبيب كلامه على محمل الجد.
* *
ومع كل هذا، فإن إسرائيل ستظل في حالة قلق وخوف وذعر وعدم استقرار ما بقيت ترفض قيام الدولة الفلسطينية، وتصر على أن القدس موحدة وأبدية ضمن حدود دولة إسرائيل، فانتصاراتها التي تحققها مخدومة من أمريكا وبدعم كبير منها، وهذا وإن طال لا يُسقط الحق الفلسطيني، ولا يُثني الفلسطينيين عن الاستمرار في الدفاع عن حقوقهم المشروعة، مهما كانت التضحيات والتحديات والمعوقات التي تعترض طريق التحرير والنصر وقيام الدولة الفلسطينية.